المؤمنون حقاً


صالح أحمد الشامي

قال الله تعالى:

{إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ أُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4].

في هذه الآيات الكريمة بيان لأوصاف المؤمنين.

وأول ما يطالع القارئ لهذه الآيات: كلمة {إِنَّمَا} التي تفيد الحصر، فالأوصاف المذكورة في الآيات الكريمة هي التي تحقق الإيمان، ومن لم توجد لديه هذه الصفات بجملتها فليس من المؤمنين، ويؤكد هذا المعنى وهو الحصر ختام هذه الصفات بقوله تعالى: 

{أُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ }

وهذه الصفات المذكورة هي: خمس، ثلاثة منها تتعلق بفعل القلب، واثنتان منها تتعلق بفعل الجسم.

* أما ما تعلق منها بالقلوب فهي:

 {ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}

أي: خافت، وهذا الخوف مبعثه استشعار جلال الله تعالى وعظمته، واستعظام شأنه، وهو خوف مشوب بالحب والهيبة.

{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَٰنًا}

أي: يقيناً وطمأنينة نفس، فإن سماع كلام الله تعالى يؤكد الإيمان الذي استقر في نفس المؤمن ويزيده ثباتاً وقوة.

{وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}

 قال ابن كثير: (أي لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب".

جاء في الظلال: "وليس الاتكال على الله وحده بمانع من اتخاذ الأسباب، فالمؤمن يتخذ الأسباب من باب الإيمان بالله وطاعته فيما يأمر به من اتخاذها.

ولكنه لا يجعل الأسباب هي التي تنشئ النتائج فيتكل عليها، إن الذي ينشئ النتائج - كما ينشئ الأسباب - هو قدر الله، ولا علاقة بين السبب والنتيجة في شعور المؤمن.

اتخاذ السبب عبادة بالطاعة، وتحقق النتيجة قدر من الله مستقل عن السبب لا يقدر عليه إلا الله.

وبذلك يتحرر شعور المؤمن من التعبد للأسباب والتعلق بها، وفي الوقت ذاته هو يستوفيها بقدر طاقته لينال ثواب طاعة الله في استيفائها".

هذا ما يتعلق بصفات القلوب، وأما يتعلق بالأجسام فهو:

{ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ}

 قال في الظلال: "وهنا نرى للإيمان صورة حركية ظاهرة - بعدما رأيناه في الصفات السابقة مشاعر قلبية باطنة - ذلك أن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالعمل هو الدلالة الظاهرة للإيمان التي لا بد من ظهورها للعيان، لتشهد بالوجود الفعلي لهذا الإيمان.

وإقامة الصلاة ليست هي مجرد أدائها، إنما هي الأداء الذي يحقق حقيقتها، الأداء الكامل اللائق بوقفة العابد في حضرة المعبود - سبحانه - لا مجرد القراءة والقيام والركوع والسجود، والقلب غافل، وهي في صورتها الكاملة تلك تشهد للإيمان بالوجود فعلاً.

{وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ} 

في الزكاة وغير الزكاة، وهم ينفقون "وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ" فهو بعض مما روقهم الرزاق.. وهو كثير لا يحصى، فإذا أنفقوا فإنما ينفقون بعضه ويحتفظون ببقيته، والأصل هو رزق الله وحده.

تلك هي الصفات التي حدد الله بها الإيمان في هذا المقام".

وبعد: إذا كان وجود هذه الصفات هو مقياس وجود الإيمان، فهل يقيس الناس بعضهم بعضاً بهذا المقياس، وهل يحكمون بالإيمان لمن وجدت فيه؟

إن هذا المقياس وضعه الله ليقيس كل إنسان به نفسه، فيحمد الله إذا كان مستكملاً لهذه الصفات، ويتدارك نفسه باستكمال النقص إذا وجد.

إنه لا يمكن لأحد أن يحكم على أحد بما يتعلق بالمشاعر والصفات القلبية، وهي الصفات الثلاث الأولى في هذا المقياس فكيف يمكنه أن يحكم على الآخرين به؟!

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ المؤمنون حقاً

  • الحق

    الدرر السنية - الموسوعة العقدية

    قال تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس:

    12/09/2021 870
  • نفحات قرآنية في سورة المؤمنون

    الشيخ محمد بن صالح الشاوي

    قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3] اللغو: هو كل كلام قبيح. ♦♦♦ قال تعالى: ﴿

    29/06/2020 1366
  • اجتهدوا أيها المؤمنون

    الشيخ صالح العصيمي

    اجتهدوا - أيُّها المؤمنون - في العمل الصَّالح؛ فإنَّ الله أمرنا به، وضمن لنا الجزاء؛ قال الله تعالى: ﴿فَكَیۡفَ

    15/07/2021 921
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day