التوبة
قال الله تعالى:
{قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنِيبُوٓا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}
[الزمر: 53- 54]
قال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر".
قال: ولا يصح حمل هذه على غير توبة، لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب".
والاستغفار من الذنوب شرط لحصول التوبة، فلا بد لكل مذنب من التوبة والاستغفار حتى يدخل في عداد من تشملهم هذه الآية، وذلك بدلالة:
- قوله:
{إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا}
ففعل يغفر يعني: أن هناك مستغفر.
- وقوله:
{وَأَنِيبُوٓا إِلَىٰ رَبِّكُمْ}
ومعنى الإنابة: الرجوع. وهو: الرجوع عن الذنوب والابتعاد عنها والعودة إلى الاستقامة، ولا يكون ذلك إلا بالتوبة والاستغفار.
ونقل ابن كثير عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله:
وإن أعظم آية في كتاب الله:
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ}
وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ}.
وإن أكثر آية في القرآن فرحاً:
{قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ}
وإن أشد آية في كتاب الله تفويضاً:
{وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ }
وبعد: فإن هذه الآية الكريمة التي فتحت الأبواب واسعة لكل من أراد الرجوع إلى الله والاستسلام له، وتقرر قبول توبته وهذا كرم لا يدانيه كرم، ولا يمكن أن يصدر إلا عن الله، وهو الأمر الذي يتناسب مع عظمته تعالى.
ويتناسب مع أسمائه الحسنى، فهو - سبحانه - الرحمن الرحيم، وهو التواب والغفار.
"إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية، كائنة ما كانت، وإنها الدعوة إلى الأوبة، دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال.. دعوتهم إلى الأمل والرجاء والصفة بعفو الله.. إن الله رحيم بعباده".
فلله الحمد على رحمته بعباده.