مقال بعنوان: الحميد
قال تعالى:
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267]
قال ابن جرير: (ويعني بقوله: "حميد" أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله) .
وقال الزجاج: ("الحميد" هو فعيل بمعنى مفعول. والله تعالى هو المحمود بكل لسان، وعلى كل حال كما يقال في الدعاء: الحمد لله الذي لا يحمد على الأحوال كلها سواه) .
وقال الخطابي: ("والحميد" هو المحمود الذي استحق الحمد بأفعاله، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال) .
ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (وهو "الحميد" أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره لا إله إلا هو ولا رب سواه) .
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
وهو الحميد فكل حمد واقع أو كان مفروضاً مدى الأزمان
ملأ الوجود جميعه ونظيره من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده كل المحامد وصف ذي الإحسان
ويبين ابن القيم – رحمه الله تعالى - أنه وإن كان (الحميد) فعيل من الحمد، وهو بمعنى المحمود إلا أن (الحميد) أبلغ من (المحمود).
يقول رحمه الله تعالى: (وأما "الحميد" فلم يأت إلا بمعنى المحمود، وهو أبلغ من المحمود، فإن فعيلاً إذا عدل به عن مفعول: دل على أن تلك الصفة قد صارت مثل السجية والغريزة والخلق اللازم، كما إذا قلت: فلان ظريف وشريف وكريم، ولهذا يكون هذا البناء غالباً من فعل بوزن شرف، وهذا البناء من أبنية الغرائز والسجايا اللازمة، ككبر وصغر، وحسن ولطف ونحو ذلك.
ولهذا كان حبيب أبلغ من محبوب، لأن الحبيب الذي حصلت فيه الصفات والأفعال التي يحب لأجلها، فهو حبيب في نفسه؛ وإن قدر أن غيره لا يحبه؛ لعدم شعوره به، أو لمانع منعه من حبه، وأما المحبوب فهو الذي تعلق به حب المحب؛ فصار محبوباً بحب الغير له، وأما الحبيب فهو حبيب بذاته وصفاته، تعلق به حب الغير أو لم يتعلق.
وهكذا الحميد والمحمود، فالحميد: هو الذي له من الصفات، وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محموداً؛ وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه، والمحمود من تعلق به حمد الحامدين) .