مفتاح العفو:
قال العلماء: إن أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى: من اتصف بمقتضيات أسمائه وصفاته فهو تبارك وتعالى رحيم يحب الرحماء، عفو يحب العافين عن الناس، فالله سبحانه وتعالى يكون لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، فالله قال عز وجل:
{فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
[آل عمران: 159]
وحبل العفو مع المقدرة من أقرب منازل التقوى؛ بل من كرمه وجوده: أنه يقابل عفو العباد بعفو أكبر، قال عز وجل:
{إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوٓءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}
[النساء: 149]
وفي حادثة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما حلف ألا ينفق على مسطح (أحد أقاربه) بعد ان قذف عرض زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، في حادثة الإفك المعروفة، قال تبارك وتعالى
{وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓا أُولِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوٓا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
[النور: 22]
فمن عفا رجاء ما عند الله؛ أعطاه الله سبحانه وتعالى فوق ما يأمله في الدنيا والآخرة.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا)
[أخرجه مسلم]
قال النووي رحمه الله: "من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه"
خطب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان خطبة بليغة ثم قطعها، وبكى بكاءً شديداً، ثم قال: "يا رب! إن ذنوبي عظيمة، وإن قليل عفوك أعظم منها، فامح بقليل عفوك عظيم ذنوبي.
فبلع ذلك الحسن البصري؛ فبكى، وقال: لو كان كلام يكتب بالذهب لكتب هذا الكلام!"
ودعا أعرابي: اللهم! إنك أمرتنا أن نعفوا عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا".
ونحن ندعوك:
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ}
[الأعراف: 23]
اللهم! إنك عفو تحب العفو؛ فاعف عنا: يا أرحم الراحمين!