امتحان العبودية
إن الوظيفة الأساسية لكل فرد يخرج إلى الأرض هي ممارسة العبودية لله عز وجل في فترة وجوده في الدنيا؛ بداية من بلوغه الحلم وحتى موته. هذه الوظيفة ليست سهلة على الناس أن يقوموا بها، فالمولى - سبحانه وتعالى - جعل المكان الذي يؤدي فيه الفرد امتحان العبودية هو الأرض، وزينها بأشياء كثيرة تميل إليها النفس ليكون الصراع بين ما يحبه الله عز وجل ويريده من العبد وبين ما تحبه النفس وتريد تحقيقه:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾
[آل عمران : ١٤]
فوجودنا على الأرض وما تحتويه من زينة يتطلب منا جهادا لأنفسنا ونصرة الله عليها إن أردنا أن نرتدي رداء العبودية وننجح في الامتحان ولقد ربط سبحانه بين ولايته ومدده ونصرته لعباده، وبين نصرتهم له على أنفسهم وتغيير ما بها، كما قال في كتابه:
إن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
[محمد: 7]
وقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[الرعد: ١١]
والتحقق بمعاني العبودية، وتغيير ما بالنفس، يشمل المفاهيم والتصورات والمشاعر والوجدانات والسر والعلانية، والأقوال والأفعال. وفي المقابل، فكما خلع العبد رداء عبوديته لربه، وسار وراء هواه وازداد تعلقه بالدنيا، وحبه لها ابتعد عن ولاية ربه، واستدعى بأفعاله تلك غضبه سبحانه وتعالى واستحق عقابه:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيَّرًا نَّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلُّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾
[الأنفال: ٥٤،٥٣]