القرآن وجمع الكلمة
لقد كان الصحابة قبل إسلامهم غاية في التفرق والعصبية القبلية... تفاخر بالأنساب، وتعامل طبقي يُفرق بين السادة والعبيد، بل وبين قبيلة وقبيلة، فكيف توحدوا جميعا وأصبحوا أمة واحدة؟ الذي حدث أن هناك حبلا قد نزل من السماء فأمسكوا به جميعا فجذبهم من على الأرض وارتفع بهم إلى السماء فوق الشهوات والأهواء والطين.. هذا الحبل هو القرآن، الذي استطاع أن يجمع شمل الجميع، كما قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾
[آل عمران: ۱۰۳]
، وكما قال : كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض فبالقرآن توحد المسلمون الأوائل على هدف واحد ألا وهو الرغبة في الله وفيما عنده، فارتفعوا به إلى السماء، وتخلصوا من جواذب الأرض والطين، ولقد أكد على هذا المعنى رسول الله ﷺ بقوله:
«أبشروا ، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا»
ولقد أدرك الصحابة - رضوان الله عليهم - قيمة وقدر القرآن العظيم وأنه سبيل النجاة والهدى بإذن الله فهذا عمر بن الخطاب يخطب في المسلمين حين بايعوا أبا بكر الصديق بالخلافة فيقول: «فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم، فخذوا به تهتدوا، وإنما هدى الله به رسوله» . وعن جويرية بن قدامة أنهم دخلوا على علي بن أبي طالب وقد طعن، فقالوا له: أوصنا .. فقال : عليكم بكتاب الله فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه).
وعن زيد المرادي قال: شهدت ابن مسعود خطيا فقال: «الزموا القرآن و تمسكوا به حتى جعل يقبض على يديه صفا كأنه أخذ بسبب شيء وقال أنس بن مالك في قوله تعالى:
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
[البقرة]
وخرج جندب بن عبد الله البجلي في سَفَرٍ له، فخرج معه ناس من قومه حتى إذا كانوا بالمكان الذي يودع بعضهم بعضا، قال: أي قوم عليكم بتقوى الله، عليكم بهذا القرآن، فالزموه على ما كان من جهد ،وفاقة، فإنه نور بالليل المظلم، وهدى بالنهار. من هنا يتأكد لنا أن القرآن هو القادر بإذن الله - على انتشالنا من الضياع الذي وصلنا إليه، وعلى جمع كلمتنا، وتخليصنا من الفرقة، ولم لا وهو الكلمة السواء التي لا يختلف عليها اثنان من أبناء الأمة. وغني عن البيان أن الحديث عن القرآن يشمل السنة بالتبعية، فالسنة شارحة للقرآن مبينة لما أجمل فيه
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
[النحل : ٤٤]