فضل أهل الإيمان (31)


الشيخ ندا أبو أحمد

فضل أهل الإيمان :


33- أهل الإيمان يعطهم الرحمن نورا يمشون به في حياتهم وينفعهم بعد مماتهم:


يقول ابن القيم في بدائع الفوائد (2/446): فالإيمان كله نور، ومآله نور ومستقره في القلب المضيء المستنير المقترن بأهل الأرواح المستنيرة. أهـ


فأهل الإيمان يمشون في حياتهم بنور العلم والإيمان فيفرقون بهذا النور بين الحق والباطل الهدى والضلال والبدعة والسنة قال الله تعالى: ﴿ أومَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأنعام:122) ، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (الحديد: 28)، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ (الأنفال: 29).


وقد فسر العلماء هذا الفرقان بالنور الذي يجعله الله عزو وجل في قلب المؤمن، يفرق به بين الحق والباطل، والبدعة والسنة، والهدى والضلال، فالمؤمن حي القلب مستنيره، والكافر ميت القلب مظلمه، وذلك لأن المؤمن آمن بالشرع، والشرع هو الروح وهو النور.


كما قال تعالى: ﴿ وكَذَلِكَ أوحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ (الشورى: 52).

فمن استجاب للشرع أحيا الله قلبه وأضاءه بنور الإيمان، وهذا النور يضئ للمؤمن الطريق، ومن المؤمنين من يحسن حمل هذا النور فيضئ لغيره ويهديه هداية الإرشاد والبيان كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (الشورى: 52).


أما عن يوم القيامة فإن مصادر النور الطبيعية تختفي، فالشمس تكور والنجوم تنكدر، كما قال تعالى ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾ (التكوير: 1-2) ويبعث الله الخلق في ظلمة شديدة ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ويدل على هذا أيضا ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال: هم في الظلمة دون الجسر ".


وفي هذا اليوم العصيب المظلم يعطي الله تعالى نوراً لأهل الإيمان، وهم الذين استضاءوا بنور الوحي في الدنيا، فيصير هذا النور يوم القيامة نورا حيا ظاهرا يراه المؤمن والمنافق كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾ (الحديد:12-13).


والذين حُرموا هذا النور في الدنيا وصاروا يتخبطون في الظلمات، فإنهم يحرمون هذا النور في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ (النور: 40).


تنبيه:

 أنوار المؤمنين تتفاوت يوم القيامة بحسب أعمالهم وايمانهم:

أخرج البيهقي بسنده عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يجمع الله الناس يوم القيامة إلى أن قال: فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطي نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطي دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر من يعطى نوره في إبهام قدمه، يضئ مرة ويطفأ أخرى، إذا أضاء قدَّم قدمه، وإذا ُطفاء قام، قال: فيمر ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة، ويقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل  يرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخر يد، وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك لقد أعطانا مالم يعط أحد " (رواه الحاكم وصححه الألباني في تخريجه شرح الطحاوية)

يتبين لنا من الحديث السابق أن نور المؤمن يوم القيامة يكون بقدر عمله الصالح، وكلما ازداد الانسان من الأعمال الصالحة ازداد نوره حتى يكون كالجبل، وكلما ازداد من النور زادت سرعة المرور على الصراط وكلما قلت الأعمال الصالحة قل النور، وإذا قل النور قلت سرعة المرور على الصراط، وربما تعرض للّفحات، فعلينا أن نكثر من الطاعات فهي سبيل النجاة من كرب المرور على الصراط، لأن هناك من يمر كانقضاض الكوكب لا يرى ليهيبها، ولا يسمع حسيسها، ولا يشعر بحرها، بخلاف من أُعطى نوراً على قدر إبهامه فإنه تقل سرعته، فيشعر بحرها، ويُبصر لهيبها، وربما أصابته بلفحها.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ فضل أهل الإيمان (31)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day