الحل الإسلامي لمشكلة الفقر
إن علاج مُشكلة الفقر كان هو الدافع لوضع كل النظريات الإقتصادية التي عرفتها البشرية ... وقد ظهرت الرأسمالية الغربية كبديل في كثير من الدول على أثرعُقم الشيوعية بها
والرأسمالية الغربية تعتمد على اقتصاديات السوق ووقوع رؤوس الأموال في أيدي قليلة مما ينجم عنه تحريك دفة سياسة البلد وكل توجهاتها على حسب رغبة هذه الفئة القليلة ممن يملكون رأس المال فنجد مثلا الولايات المُتحدة تضرب باتفاقيات التجارة العالمية عرض الحائط لصالح شركات تصنيع الصلب والفولاذ بل وترفض توقيع معاهدة حظر صناعة الألغام المضادة للأفراد .. وفي الولايات المتحدة يتحول قمح الفقراء إلى وقود لسيارات الأغنياء .. ولا مانع من القاء آلاف الأطنان من القمح في المحيط حتى لا تنخفض أسعار القمح العالمية بينما الملايين من البشر يموتون جوعا كل عام ..ولذلك دائما ما نجد أن الديموقراطية التي تُقدمها تلك الدول هي ديموقراطية نسبية فعندما تتعارض تلك الديموقراطية مع مصلحة حركة رأس المال فمصير تلك الديموقراطية إلى الجحيم .. فعندما تقوم شركة فورد مثلا بتمويل انقلاب شيلي علي سلفادور الليندي رئيسها المنتخب فقط لمصلحة مجموعة قليلة من أصحاب رأس المال .. ومؤسسة جورج سورس تقيم الانقلابات في جورجيا وأوكرانيا .. وقبائل الهوتو الذين كانت تمولهم شركة بترول أمريكية وقبائل التوتسي الذين كانت تمولهم شركة بترول هولندية من أجل المنافسة على حقول البترول في رواندا وما يجري الآن في دارفور الغنية باليورانيوم الذي يسيل له لعاب الغرب .. وما نشهده من تحكم الشركات العملاقة في سير العمليات الإنتخابية وفي تسيير المظاهرات المؤيدة للحروب وفي غسل أدمغة البشر بالأفكار المنحرفة والتصورات الموهومة ... كل هذا يجعل صورة الرأسمالية صورة مهتزة أمام الشعوب الكادحة
إن الإمتلاك حق للإنسان لا يستطيع أحد أن ينزعه منه .. إن تكوين أسرة وإشباع عاطفة الأمومة غرائز أساسية لا مجال لمحاولة إتلافها .. ونظرة سريعة للعلاج الإسلامي لمشكلة الفقر ومشكلة استغلال صاحب رأس المال للعمال نجد تشريعا راقيـا ومنهاجا سديدا هدفه التقويم لا النسف .. الرقي بالإنسان واحترام غرائزه لا حرقه وحرقها ..!!
وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( إِخوانكم خَوَلُكم, جعلهم الله قنيةً تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه, وليلبسه من لباسه, ولا يكلفه ما يغلبه, فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه .)
وفي الحديث الحسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .)
رواه ابن ماجة
وفي صحيح الجامع الصغير من حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة, فإن لم يكن خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً, من اتخذ غير ذلك فهو غالٌ أو سارق.)
رواه أبو داود
بل لقد توعّد الله تعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه توعّد ذلك الذي يبخس العمال أو الأجير حقه, فقال :-
( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته .. ورجل استأجر أجيراً فاستوفي منه ولم يعطه أجره.)
رواه البخاري
وقد أشار أبو يوسف - رحمه الله - إلى جواز إقراض المحتاج من بيت المال :- ( يدفع للعاجز - أي العاجز عن زراعة أرضه الخراجيه لفقره - كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه .) وبينما يؤخذ من صاحب رأس المال زكاة وصدقات وكفارات وفي حالة عدم تحقيق الكفاية من الموارد السابقة الذكر فيؤخذ من ماله حتى يشبع الفقير
وقد ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي :- ( إن في المال حقاً سوى الزكاة .)
وهو ما يدل على إعطاء صلاحيات واسعة في جباية الأموال اللازمة من الموسرين في الحدود اللازمة للإصلاح ولتحقيق الكفاف لأصحاب الحاجات أو لمتطلبات البلاد الضرورية مثل الدفاع عن أهلها وردّ العدوان وفداء الأسرى وغيرها.
وقد نقل الدكتور عبد الكريم زيدان عن (المحلّى) ما قاله الفقهية المعروف ابن حزم :- ( وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم, فيقام لهم مما يأكلون من القوت الذي لابد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة.) وكما قال القرطبي في تفسيره :- ( واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها .) وحينما تم تطبيق ذلك سَعِد الناس وأمِنوا وهنأوا حتى قالوا :- ( كان منادي عمر ينادي كل يوم : أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء .) وفي تاريخ الخلفاء يذكر السيوطي :- ( قال عمر بن أسيد : والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون, فما يبرح حتى يرجع بماله كله, وقد أغنى عمر الناس .)