القرآن نفسه يعطي اختبارًا للصحة
القرآن ليس للقراءة العارضة، فقد يكون صعباً على الشخص أن يفهمه، بما أنه لا يتبع ترتيباً معيناً للأحداث أو الموضوعات، وهو يكرر نفسه في مواضيع كثيرة، وحتى في أفضل ترجمة إنجليزية له فإن نظمه يعتبر تحدياً بلاغياً لإيصال المعنى بأقل عدد من الكلمات، ولفهمه فإنك مجبر على التفكير، والتفكر هو ما يطلب منك القرآن فعله في كثير من المواضع.
وعلى الرغم من هذا فإن رسالته الأساسية واضحة جداَ: لا يوجد سوى رب واحد رحمن رحيم عطوف بكل خلقه، وبالذات المتواضعين منهم والمؤمنين، وهو أيضاً شديد العقاب للذين يتكبرون ويرفضون الحقيقة. الحياة هي اختبار، وعندما نموت وينتهي هذا الكون الذي نعرفه سيكون هناك يوم يعاد فيه خلقنا جسدياً ونحاسب، فإما نجزى خيراً بالنعيم الأبدي، أو نجزى سوءاً بالعذاب الأبدي.
حسناً، قد أخبرتكم منذ البداية أن هناك أشياء لن تعجبكم، كالموت والنار! ومع ذلك، فإن حقيقة أننا لا نحب شيئاً ما لا يعنى أنه ليس حقيقياً أو صحيحاً.
هل هناك أي شئ آخر يساعدنا لقبول زعم أن القرآن هو من عند خالق السماوات والأرض؟ القرآن نفسه يعطي اختباراً للصحة،
وهذا طبعاً اختبار جيد يمكن تطبيقه على أي كتاب يزعم أنه من عند الخالق.
" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا "
(النساء:82).
النقطة هنا أنه إذا كان الكتاب من عند خالق كل شئ، فمن المنطقي استنتاج أن هذا الخالق الفريد يجب أن يكون ذا حكمة وذكاء عظيم، لمستوى يتخطى الإدراك البشري، ومن المؤكد أن يتوقع الشخص أن الخالق عنده علم عن عمل الطبيعة والكون، وعن الأحداث في تاريخ البشرية.
ومن المثير للدهشة أن القرآن ليس فقط خالياً من التناقضات، بل إن له أقواله عن التاريخ، والتوحيد والفلسفة، وعن القانون والعالم الطبيعي، وهذه الأقوال تتحدى التفسير البشري.
وهناك أيضاً ميزة أخرى لافتة للانتباه في القرآن، وهي أنه إلى اليوم لا يزال قائماً كأكثر قطعة أدبية تميزاً في اللغة العربية، بل إن القرآن نفسه تحدى العرب الذين كانوا أسياد الشعر والمهارت اللغوية، ليأتوا بسورة واحدة فقط من مثل القرآن، فأصغر سورة في القرآن هي فقط ثلاث آيات! في وقت كان فيه الشعراء العرب مثل "نجوم البوب" في بلادهم، ومحمد لم يظهر أي قدرة شعرية، لا قبل التنزيل ولا حتى بعده، وفي الحقيقة إن أقواله وأحاديثه مختلفة لغوياً عن القرآن بشكل واضح ويمكن تمييزها عنه بسهوله. وقد أقرَّ العديد من أمهر الشعراء والخطباء في ذلك الوقت أن هذا ليس من كلام محمد، ولا حتى من كلام البشر، والعديد منهم قد اعتنق الإسلام بمجرد سماع القرآن يتلى، فقد كان هذا بالنسبة لهم أكبر دليل على أن القرآن تنزيل إلهي. وبالطبع قد يبدو هذا الشئ صعب علينا إدراكه اليوم، ولكن هذا الأمر يبقى حقيقة تاريخية.
ويبقى السؤال: كيف لشخص لا يملك الموهبة الشعرية القدرة على إنتاج قطعة أدبية تقف إلى اليوم كأعظم ما قدمته اللغة العربية، في الوقت الذي أنتجت فيه أفضل القصائد و القطع الشعرية في التاريخ كله، وإذا أردنا أن نقرب هذا إلى مفهوم اليوم المعاصر، قد نقول إنه استثنائي كشخص غير متعلم وليس له أي تدريب أو خليفة علمية، يقدم نظرية لا تقبل الخطأ في الفيزياء.