الناس ليسوا أحرار في رفض التكليف فهم إما أخيار أو أشرار
لم يجعل دارون الإنسان حيوانا ولكنه جعله واعيا بأصله الحيواني والمادية تؤكد دائما على ما هو مشترك بين الحيوان والإنسان بينما يؤكد الدين على ما يُفرق بينهما وفي هذه اللحظة بالذات يحدث الإنشقاق بين المادية والدين ... يقول لك الدين انظر ماذا يفعل الحيوان وافعل عكسه إنه يتفاسد فيجب أن تتعفف إنه يسعى للذة ويهرب من الألم فعليك أن تزهد وتعرض نفسك للألم ساعتها فقط ستشعر أنك إنسان ..
إن رفض هذا الموقف الحيواني حتى من أعتى الملاحدة هو الحقيقة القاطعة للحياة الإنسانية وأن أجدادنا ليسوا حيوانات بل بشر أتوا بمقدمة من السماء نحاول دائما أن نرتقي مرة اخرى إليها بارتقائنا عن الأفعال الحيوانية الأرضية .
إن رفض الموقف الحيواني الذي يسميه هوايتهيد بإسم الرفض العظيم -
1- هذا الرفض للحياة الحيوانية ومحاولة التميز عنها داخل كل واحد فينا قد يكون هذا الرفض نقمة أو نعمة لكنه يبقى الخاصية الوحيدة التي تُميز الإنسان وتشعره أنه ليس ابن هذا العالم .
وكيف يكون الإنسان ابن هذا العالم وهو يتمرد عليه
من الناحية الواقعية الحيوان كائن بريء بدون خطايا محايد من الناحية الأخلاقية كأنه شيء من الأشياء بلا تكليف .. أما الإنسان فليس كذلك أبدا .. فمنذ اللحظة التي هبط فيها الإنسان من السماء لا يستطيع الإنسان أن يختار أن يكون حيوان بريء .. ليس بإمكان الإنسان أن يختار بين أن يكون حيوان أو إنسان إنما اختياره الوحيد أن يكون إنسانا او لا إنسان .
الإنسان إما أن يكون خيِّر أو شرير لا يوجد إنسان بريء من الناحية الأخلاقية لأنه انسان وليس حيوان .
لو كان الإنسان حيوان كامل لكانت حياته بسيطة خالية من الأسرار والطقوس الغامضة والمعتقدات والرموز ولا يعرف الحيوان شيئا من هذا كله وهنا يكمن معنى تلك اللحظة التي صنعت عصرا جديدا .
وكما ذركنا في المقال السابق فإن الله قد خلق داخل كل انسان منا النية وهو عالم جواني تتم فيه الأفعال التي يريدها المرء سواء نفذها في عالم الواقع أم لا ويستطيع الإنسان في هذا العالم الجواني أن يُقدم أنبل التضحيات وأخس البذاءات وليست أفعال الإنسان الخارجية إلا صدى لما يتم في العالم الجواني وهذا يذكرنا بالحديث المشهور
للنبي صلى الله عليه وسلم :- ( إنما الأعمال بالنيات )
والإنسان داخل هذا العالم الجواني حر تماما لا رقابة ولا وصاية ولا موانع اجتماعية عليه .. هذه الحرية المُطلقة في العالم الجواني لكل فرد منا بها اعتراف ضمني بوجود الله فالله لا ينتج ولا يشيد وإنما يخلق وليست الحرية نتاج تشييد أو انتاج وإنما نتاج خلق فالإنتاج والتصنيع والتطور يمكن ان ينتجوا إنسان كامل لكن بدون حياة جوانية بمعنى أدق ذكاء متحرر من وخز الضمير الأخلاقي وهذا الذكاء هو مسخ بارد لا يقبل انسان أن يكون مثله .
إن الإنسان لا يستطيع أن يكون بريء إنما عليه أن يستخدم حريته في أن يختار أن يكون خيِّر أو شرير .
نادى نيتشه بالسوبر مان واعترف افلاطون أن للقوي حق على الضعيف وإذا حذفنا المدخل الديني من حسابنا فسرعان ما يمتلىء المكان بأشكال من اللامساواة عِرقيا وقوميا واجتماعيا فاللامساواة من الناحية المادية ممكنة جدا بل منطقية والاستئساد وفرض الرأي بالقوة والقهر ومحاولة إشباع اللذة والمُتعة على حساب جماجم الضعفاء هو عين العقل بالحسابات المادية المُجردة وإذا لم يكن الله موجودا فالناس بجلاء وبلا أمل غير متساوين وتأسيسا على الدين فقط يستطيع الضعفاء ان يطالبوا بالمساواة وهذا هو تفسير وجود كثرة من المعاقين حول المساجد والمعابد فهؤلاء الضعفاء والفقراء في المال والصحة والعقل والمُستبعدين من موائد الإحتفالات في العالم الذين ليس لديهم ما يعرضونه أو يُبرهنون عليه ليس لديهم إلا مدخل الدين وحسب الذي يبرهنون من خلاله أنهم متساوون بل ربما أحسن حالا عند الله من الأصحاء وهذا فيه برهان متكرر لقيمة الدين في المساواة
---------------
المراجع للإستزادة :- كتـاب الإسلام بين الشرق والغرب .. تأليف:- علي عزت بيجوفيتش .. ترجمة :- محمد يوسف عدس .. مؤسسة بافاريـا
1- alfred whitehead : science and the modern world