خرافة عمر الكون وحجمه الجزء الثالث


دكتور / هيثم طلعت علي سرور

 

في الجزء الأول من سلسلة خُرافة عُمر الكون وحجمه تحدثنا عن أن المجرات والأفلاك والنجوم من حولنا ربمـا عبارة عن هولوغرام مدهش لكون غاية في الروعة وأن النجوم ربمـا عبارة عن مجرد مصابيح تزين جو السمـاء لكن ماذا عن رصد الفلكيين عبر العصور هل كان مجرد لغو فـارغ ؟ هل كل الأفلاك من حولنا عبارة عن صور ومُجسمـات هُلامية مخلوقة بتدبير لتظهر بتلك الصورة المدهشة ؟ هل لا توجد مجرات ولا أفلاك وإنما مجرد هولوغرامات رائعة تزخرف جو السماء ؟ هل كل النجوم التي نراها مجرد هولوغرامات ومصابيح هولوغرامية في جو السماء ؟ هل هي فقط صور شبحية وغير موجودة بنفس المعطيات التي يمدنا بها علماء الفلك باستمرار ؟ لو كان الأمر كذلك وكان المبدأ الهولوغرامي صحيحا فكما يقول ستيفن هاوكنج في كتابه الأخير >span >نكون قد وقعنا في أكبر فخ علمي عبر كل العصور !!!.... لو كان الأمر كذلك فالهولوغرام الكوني المزخرف والمدهش لابد وأن يكون مخلوقا خلقا مباشرا ليظهر بتلك الصورة المدهشة ولا يمكن ان يدخل فيه عامل صدفة أو انفجار كبير أو غير ذلك مما يتشبث به الماديون .!!

 

سنتحدث في هذا الجزء من السلسلة عن جسيمات الضوء quanta of light التي يرصدها الفلكيون عبر تلسكوباتهم منذ قرون والتي من خلالها فحسب يشاهدون النجوم والأفلاك والمجرات فتصوير النجوم والأفلاك والمجرات ورصد أعمار الحفريات يعتمد فحسب على الالكترونات فالالكترون هو مصدر الرصد لا غير ... وبالتالي فالإلكترون  فحسب هو مصدر معرفة عمر الكون وحجمه ..!! يقول الفيزيائي الأشهر ستيفن هاوكنج Stephen Hawking في كتابه الأخير التصميم العظيم The Grand Design وهو الكتاب الذي الذي نُشر في عام 2010 وأثار ضجة كبيرة يقول هاوكنج ص72 :- ( ولو ثبتت صحة المبدأ الهولوغرامي ساعتها سنكتشف أننا نعيش داخل وعاء السمك الذهبي وسنكون أشبه ما يكون بأننا نعيش بالفعل داخل وعـاء السمك الذهبي ) .. ووعاء السمك الذهبي كما يروي ستيفن هاوكنج قصته في نفس الكتاب ص 63 :- ( في إجتماع مدينة مونزا Monzaبإيطاليا تمت إدانة وضع السمك الذهبي داخل أوعية منحنية لأن هذا أمر قاسٍ بالنسبة للأسماك لأنها ستلاحظ الحقائق العلمية بطريقة مشوهة وخاطئة فالخط المستقيم ستراه بصورة منحنية وبالتالي كل القوانين العلمية التي ستصل إليها ستكون صحيحة طبقا لعالمها لكنها في الحقيقة قوانين مشوههة وخاطئة إنها ستبني رؤيتها للعالم حولها عل قوانين خطأ تماما لكن صحيحة بالنسبة لعالمها وتطبيقاتها  .) إذن لو صح المبدأ الهولوغرامي فستكون كل معرفتنا بالمجرات والأفلاك حولنا مجرد وهم كبير كما يرى هاوكنج ...!!

 

وهم جسيمات الضوء  quanta of light

في بداية القرن العشرين ظهرت تقريبا كل الاختراعات التي تميز حياتنا الآن - الكهرباء التليفون السينما الجرامافون السيارة الطائرة - وما تلاها من عقود كانت مجرد إضافات وتحسينات وكل ذلك تقريبا خرج من تحت عبائة نظرية ميكانيكا الكم .. تلك النظرية المدهشة والمحيرة في الوقت ذاته والتي فتحت آفاقا مجهولة لم تكن معروفة من قبل وغيرت الكثير من المفاهيم السائدة حول طبيعة العالم

جسيمات الضوء ليست لها أبعـاد


لقد نظرالعلماء منذ البدء إلى نظرية الكم بحذر شديد فقد كانت تحمل بين طياتها انهيار الكثير من الأسس التي قام عليها العلم الحديث . فأول ما استنتجته ميكانيكا الكم هو أن الجسيمات التي تنقل الضوء quanta of light  الإلكترون ليست لها أبعاد فالالكترون إلى الان يوصف على أنه جسيم ليست له أبعاد وهذه العبارة سخيفة وغريبة للغاية لكنها في النهاية علمية .. لا يمكن أن نتصور وجود شيء لا توجد له أبعـاد فكل ما حولنا له أبعـاد ... فحجم الالكترون لازلنا لا نعرف عنه شيئا ولا نعرف حتى إذا كان هذا السؤال له أي معنى واضح فنحن نحكم على خصائص الالكترون من خلال تفاعله مع الجسيمات .. وقد لا يكون للإلكترون خاصية الحجم -1-  !!! 


جسيمات الضوء لها طبيعتان جسيمية وموجية 


أيضا استنتجت ميكانيكا الكم أن الجسيمات التي تنقل الضوء quanta of light لها طبيعتان في نفس الوقت طبيعة جسيمية وطبيعة موجية فالإلكترون يتصرف كجسيم بما للجسيم من خصائص مثل الاصطدام والثقل ويتصرف كموجة بما للموجة من خصائص مثل الحيود والانعطاف هذه المسألة تُدهش أي باحث فالإنسان بطبيعته يحاول لاشعوريا أن يتخلص من أحدهما لكن شرودينجر أصر على ان كلا النظامين متساويان فيزيائيا ورياضيا ويجب ان نستوعبهما معا في نفس الوقت . والمضحك في الأمر أن الفيزيائيين أيام نيلز بور كانوا مُجبرين على معاملة الإلكترون كجسيم أيام الإثنين والأربعاء والجمعة وكموجة في الأيام الأخرى للأسبوع وبهذه الفكاهة الفريدة كتب نيلز بور سنة 1924 قائلا:- ( حتى لو أرسل لي أينشتاين تلغرافا يخبرني بأن حقيقة الكم الضوئي كجسيم فقط قد تم إثباتها نهائيا وللأبد حتى في ذلك الحين ستصل الرسالة فقط بفضل وجود الطبيعة الموجية موجات الراديو .) أي ان الرسالة لن تنتقل عبر الهواء إلا بفضل الطبيعة الموجية للالكترون .. ويقول العالم دافيسون davisson :- ( إن هذا كله بالأحرى غير مألوف ومربك ومحل شك .)

وفي سنة 1928 كتب دافيسون مقاله الشهير تحت العنوان التقليدي هل الإلكترونات موجات قال فيه :- ( يجب علينا أن نعتقد بوجود حاسة معينة تعطينا الإيحاء بأن الأرانب ما هي إلا قطط كما يجب علينا أن نعتقد بوجود حاسة معينة أخرى تشير لنا بأن القطط ما هي إلا أرانب.-2-)

جسيمات الضوء تعتمد على مبدأ عدم اليقين


أيضا اعتمدت ميكانيكا الكم على مبدأ مدهش وهو مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج ينص هذا المبدأ على أنه يستحيل تحديد كل من الموقع والسرعة للإلكترون في وقت واحد فنحن ممنوعون من معرفة موقع الإلكترون وسرعته في وقت واحد وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها ..!! يُعد مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج قانون صارم من قوانين الطبيعة ولا يرتبط بأي شكل ببعض القصور الموجود في أجهزتنا وهو مبدأ يعلمنا أنه ليس في وسع الانسان إلا المعرفة الجزئية أما المعرفة الكلية فهذه حكمة لم يُسمح لنا بالاطلاع عليها يقول شرودينجر :- ( لقد تم الحصول على صورة معتدلة لهذا العالم بتكاليف باهظة ولم يحدث هذا إلا بعد أن انتزعنا أنفسنا خارج الصورة وتراجعنا إلى موقع المراقبين الذين لا مصلحة لهم -3-.)

 

قلق أينشتاين من الإستنتاجـات السابقة !! 

لقد وجد أينشتاين أن جسيمات الضوء quanta of light والتي أفنى عمره في دراستها تتعرض فجأة لمجموعة من النظريات الثورية والتي ستُغير نظرتنا للكون إلى الأبد لذا كان شديد الحنق على النظرية الجديدة ... وصف ألبرت أينشتاين ميكانيكا الكم في خطاب له إلى صديقه ميشيل بيسو في ديسمبر عام 1925 بأنها :- ( معادلات من صميم السحر الأسود .-4-)

من المعلوم أن كل معلوماتنا عن الكون وعن المجرات والأفلاك حولنا لم نستنتجها إلا من تلك الجسيمات جسيمات الضوء quanta of lightالفوتونات وهذه الجسيمات التي تتلقاها تلسكوباتنا العملاقة عبر السنين ..  لكن هذا الرصد المستمر صار الآن موضع شك شديد بعد نظرية ميكانيكا الكم وبالتالي فإن نظرتنا إلى الكون ستتغير للأبد ....

 

حتى أعمـار الحفريـات بقياسـات الكربون14 وغيرهـا من القياسـات تعتمد أيضـا على الأشعة الكونية التي تسقط على الحفريـات وتعطيها قيمة العمر ... أي أن مصدر رصد عمر وحجم الكون صـار الآن هذا المصدر موضع جـدل شديد ..!!

كتب ماكس بلانك - مؤسس نظرية ميكانيكا الكم - لأينشتاين قائلا:- ( إنني لا زلت لا أؤمن بشدة بحقيقة جسيمات الضوء - الفوتون - لقد أدى هذا إلى حدوث الفوضى .) وعقَّب أينشتاين على ذلك بعد عشرين عاما فقال :- ( لقد زرع بلانك الحيرة في رؤوس الفيزيائيين -5-.)

القفزات المثيرة المتتـابعة للنظريات الثورية لجسيم الضوء تضع العلم على حافة بركان

جسيمـات الضوء تتواصل فيما بينهـا بسرعة أكبر من سرعة الضوء بدأت بعد ذلك بالفعل تظهر استنتاجات جديدة للعلماء وقفزات جديدة في ميكانيكا الكم جعلت الفيزياء فعلا على حافة الجنون .. استنتج العالم الدنماركي الشهير نيلز بور من ميكانيكا الكم ما كان يخشاه أينشتاين فقد استنتج أن هناك علاقة أو تواصل غامض بين جسيمات الضوء وهذا بالفعل شبيه بالسحر الأسود وعلى الرغم من الانفصال البين بين جسيمات الضوء ماديا لكن ذلك التواصل موجود وهو أحد استنتاجات ميكانيكا الكم ... فطبقا لميكانيكا الكم فإن الذرة الغير المستقرة والتي يطلق عليها البوزيترونيم positronium والتي تتكون من الكترون وبوزيترون - والبوزيرتون هو الكترون ذو شحنة موجبة - لذا فإن الذرة تنحل فورا ويتلاشى الالكترون والبوزيترون على شكل فوتونان ضوء quanta of light يسافران في اتجاهين متقابلين وفي كل قياس نكتشف أن الفوتونان لهما نفس زاوية الاستقطاب وكأن هناك تواصل بينهما توتر أينشتاين بشدة من تلك الاستنتاجات وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه أينشتاين في إيجاد ميكانيكا الكم - بل إن مصطلح كوانتم Quantum هذا المصطلح الذي أطلقه هو أينشتاين نفسه -  إلا أنه شعر بعد الإرتياح لتطبيقات النظرية واستنتجاتها وقرر في عام 1935 بمساعدة اثنين من العلماء وهما بوريس بودولسكي وناثان روزين Boris Podolsky and Nathan Rosenأو إختصارا للثلاثة EPR قرر الثلاثة أن يضعوا حدا لقفزات ميكانيكا الكم وقام الثلاثة بنشر ورقة بحث بعنوان :- ( هل توصيف ميكانيكا الكم للحقيقة يعتبر كاملا ؟) هذه الورقة البحثية شهيرة جدا الآن وفيها أوضح العلماء الثلاثة كيف أن تصرف الفوتونان السابقان يثبت خطأ نيلز بور فكلا الفوتونين الناتجين عن تحلل البوزيترونيم positronium قد انطلقا وسافرا مسافة محددة وموضحة لذا يمكن حصرهما بل وقياس زاوية الاستقطاب بدقة وفي حالة أنه تم قياس زاوية الاستقطاب لكلا الفوتونين وتبين أن القياس متطابق إذن لابد أنهما تواصلا لحظيا حتى يعرفا أي زاوية من زوايا الاستقطاب سيتبعان وهذا مستحيل لانهما لو تواصلا لحظيا بمجرد وضعهما تحت الرصد فهما إذن تواصلا بسرعة أكبر من سرعة الضوء وبالتالي انتقلت المعلومة بينهما بسرعة أكبر من سرعة الضوء وهذا مستحيل علميا طبقا لنظرية النسبية الخاصة - فطبقا لنظرية النسبية الخاصة يستحيل كسر حاجز سرعة الضوء –

لذا فقد قرر أينشتاين أن نيلز بور باستنتاجاته تلك سيفتح الباب واسعا لكل المتناقضات -6-.

Albert Einstein, Boris Podolsky, and Nathan Rosen, "Can Quantum-Mechanical Description of Physical Reality Be Considered Complete?"

 

ظل نيلز بور مقتنعا بفكرته رغم مجادلة أينشتاين فمعادلات نيلز بور سليمة وما توصل إليه كان أحد استنتاجات ميكانيكا الكم واعتبر أن أينشتاين قد أسس مجادلته على خطأ في تلك الفترة كان الجميع ساخطا على تلك النظرية التي تهدد نظرتنا للعالم للأبد وكان الجميع يتحاشاها يقول العالم هندريك كرامرز عام 1920 :- ( تشبه نظرية الكم الانتصارات الأخرى في العلم تفرح بها عدة أشهر ثم تبكي سنوات بعدها .) .. وقال العالم بول إبشتاين عام 1922 :- ( إن القوانين الكمية بالشكل الحالي هي إلى حد ما نظرية لاهوتية فيما يختص بالطبيعة ومن ثم فإن الكثير من العلماء لهم الحق في سخطهم على هذه القوانين .) يقول جيلز هولست العالم الفيزيائي عام 1923 ما يلي :- ( يمكن تشبيه نظرية الكم بالدواء الذي يعالج المرض ولكنه يقتل المريض .)

وأخيرا التعليق المدهش للعالم النمساوي النابغة باولي عام 1925 :- ( مرة أخرى فإن الفيزياء حليف أعمى وعلى أية حال فقد أصبحت صعبة جدا بالنسبة لي إنني أفضل أن أكون ممثلا للروايات الهزلية في السينما أو شيء من هذا القبيل ولا أسمع المزيد عن الفيزياء -7-.)

ويتذكر أوتو شترن بعد مضي عدة سنوات أنه أقسم في تلك الأيام هو وماكس لوي على أنهما سوف يتركان الفيزياء إلا إذا كان هراء نيلز بور هذا يعني في نهاية الأمر شيئا وتمنى لورنتز نفسه أن يموت قبل أن يرى هذا اليوم حيث كان هناك وضوح في الفيزياء الكلاسيكية وكانت محترمة جدا وحتى نيلز بور نفسه كان يعاني من الكآبة واليأس لأنه كان فيزيائيا محترما للغاية كان باولي يؤمن بشدة ان العلم الجديد البازغ هوknabenphysik أي فيزياء الصبية بالألمانية حوالي العام 1982 أثبت الفيزيائي الفرنسي آلين أسبكت Alain Aspect وفريقه صحة ما ذهب إليه نيلز بور فقد أثبت عمليـا أن جسيمات الضوء quanta of light تستطيع لحظيا أن تتواصل فيما بينها بغض النظر عن المسافات الفاصلة بينها هل هي عشرة أمتار أو عشر سنوات ضوئية أي أن المعلومة تسافر أسرع من الضوء .... بل سرعتها آنية لحظية -8-.

 

 

 

 

المراجع

  1. The Holographic Universe Michael Talbot p.33
  2.  الإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية تأليف :- ليونيد بونوماريف ترجمة :- إيمان أبو شادي الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة الأولى 2007 ص2003-
  3.  الإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية تأليف عالم الفيزياء الروسي:- ليونيد بونوماريف ص203   
  4. الإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية تأليف :- ليونيد بونوماريف ترجمة :- إيمان أبو شادي الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة الأولى 2007 ص13 
  5.  الإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية تأليف :- ليونيد بونوماريف ص74 
  6.  Albert Einstein, Boris Podolsky, and Nathan Rosen, "Can Quantum-Mechanical Description of Physical Reality Be Considered Complete?"Physical Review 47 (1935), p. 777. https://en.wikipedia.org/wiki/EPR_paradox7-
  7. ا لإحتمالات المثيرة للنظرية الكمية تأليف :- ليونيد بونوماريف ص128 
  8. https://en.wikipedia.org/wiki/A...

 

 

 

 

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ خرافة عمر الكون وحجمه الجزء الثالث

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day