- زلازل .. مجاعـات .. براكين .. أمراض ..حوار حول العدالة الإلهيـة ..!!


دكتور / هيثم طلعت علي سرور

 

اختلفت المذاهب الإسلاميـة فيما بينهـا بخصوص الحَسن والقبيح اختلافـا كبيرا فما تراه أنت حسن أراه أنا قبيحـا فهذه مسـألة نسبيـة للغـاية لا نستطيع أن نخرج فيهـا بقول .. فأنت تذبح الحيوان لتأكله وتَحرمه من أبيه وأُمه وتحرمه من مُتعة الحيـاة ومع ذلك لم تتهم ذوقـك ولم تبكِ لبُكـاء أبيه وأُمـه ثم تجلس بيننـا ملطخـا بدمـاء الحيوان المسكين وتنتقـد في العدالـة الإلهيـة وكأنك لم تقم منذ دقائق بالإقرار عمليـا بوجود حكمة لكل شيء ثم إننـا من منطق النسبية و التناسب .. نرى أن حدوث البراكين و الزلازل و الفياضانات لا يزال يُصنف حالة نادرة .. و الدليل على ذلك هو أن نسبة خوفنا من حدوث تلك الأمور يكاد يكون معدوم و لا يشغل بالنا و لا نعطيه أهمية في مجريات حياتنا اليومية... ثم هي ما نتيجـة الزلازل هل هي شيء أعظم من الموت ؟ والموت هو النهاية الحتمية لكل إنسـان سواء بزلزال أم بسعال إذن فلِم العويـل الزائد والتطبيل الزائف ثم إن حدوث الزلازل والبراكين تدل على وجود النظام فلولا وجود النظـام لما استوعبنـا الخلل .. ولولا الكمـال لما تصورنـا النقص .. وهذا الخلل نسبي إذ أن فائدته أعمق بكثير فلولا هلاك الديناصورات لما ظهرت الثدييـات ولولا المرض لما شعرنـا بطعم الصحة فيجب أن تشعر بالنقيض لتدرك أهمية و حلاوة طعم نقيضه الآخر فلا ينسب الشر المحض إلى الله سبحانه لا شرعـا ولا عقلا ثم إن الحزن له لذة خـاصة وربمـا لم يكن للحياة طعم ومعنى لولا الحـزن فهو يقويـك ويُدعمك ويفيدك ..!! ثم إن هذه العدالة كما يقول الأستاذ العقاد : " لا تحيط بها النظرة الواحدة إلى حالة واحدة، ولا مناص من التعميم والإحاطة بحالات كثيرة قبل استيعاب وجوه العدل فى تصريف الإرادة الإلهية . إن البقعة السوداء قد تكون فى الصورة كلها لوناً من ألوانها التى لا غنى عنها، أو التى تضيف إلى جمال الصورة ولا يتحقق لها جمال بغيرها، ونحن فى حياتنا القريبة قد نبكى لحادث يعجبنا ثم نعود فنضحك أو نغتبط بما كسبناه منه بعد فواته ويقول أحد الأحبة :- ثم إننا لولا افترضنـا جدلا وجود الظلم فإنه لا بد له مِن فـاعل فلا يوجد عـاقل يقول بمـا أن الحكومـة المصرية ظالمـة إذن لا وجود للحكومة المصرية .. وهذا من باب التنزل مع الخصم وإلا فالله سبحانه له صفـات الكمـال .. إذ لولا وجود الكمـال لما استوعبنـا النقص ولولا وجود العدالة الإلهية المُطلقة لما تصورنـاها واستوعبنـا أبعادهـا وما يخرج منها وما يدخـل فيهـا ثم لو كان الله موجودا فما المـانع أن تكون له حكمـة في تدبير الامور بل أليس هذا هو الأليـق بل والألزم به سُبحـانه ...؟ لو كـان الله موجودا فالحِكمـة من أفعـاله ليست موجودة بل ولازمـة أيضـا وعليه ولأن الشر نسبي إضافي مغمور بجوار الخير الراجح من خلقه يترتب عليه خير كثير وحكمة عظيمة ، كمرارة الدواء فهو خير لا شر في الحقيقة .

 


/ظاهرة العناية الإلهية تتجلى في عصر العلم!!

مشكلة الخير والشر

 

كُنت أُلاحظ في الدراسات الإسلامية التي دُونت في القرون الأُولى هذه الجملة ( ولا يُنسب الشر المحض إلى الله ) وهذه الجملة كثيرا ما يقولها العلامة ابن القيم في كتاباته ...... إنها كلمة عالية يقبلها العقل السليم دون حاجة إلى استدلال .. إنها تُفيد أن الشر الذي يتبدى لك على أنه شر هو في ذاته خير أيضا ..... هناك خبر جميل يقول (  إن هناك نوع من الصُبير يستعمل كسياج للمزارع .. نُقل إلى استراليا وزُرع هُناك وكانت فاجعة إذ امتد بشكل هائل لدرجة أنه كاد يُغطي كثيرا من الأراضي الصالحة للزراعة .. وحار العلماء في الأمر .. ثم عثروا على نوع من الجراثيم المرَضية لا تعيش إلا على هذا النوع من النباتات .. فنقلوا هذه الجراثيم بواسطة النبات نفسه وبدأت الجراثيم تعمل عملها حتى تقلص النبات إلى الوضع المناسب .. إلى هنا فالخبر عادي لكن المُدهش أن الجرثوم لم يقض على النبات بل بقي النبات ولكن بالقدر الذي ينفع ولا يضر .. ) إنه نوع من التوازن العجيب في الطبيعة .... وأنا أصلا لم أكُن مُحتاجا لذكر أي مِثال خاصة ونحن في القرن الحادي والعشرين بعد أن ظهرت الحاجة الماسة لانواع البكتريا في أمعاء الإنسان .. بعد ان ظهرت الحاجة الماسة لبكتريا التربة .. بعد ان تبين قُصور العقل عند علماء القرن السابق عندما لم يتفهموا قيمة الخلايا المجهرية وغيرها .... إن الإنسان بداهةً يعادي ما يجهله وهذا مَحض سرعة في إتخاذ القرار ولا ننسى ماو تسي تونج رئيس الصين الملحد الذي أمر بصيد نوع من العصافير كانت تتغذى على الثمار أمر بصيده في جميع انحاء البلاد فما النتيجة ؟؟؟ لقد حمل العام التالي رُعبا رهيبا نتيجة إنتشار نوع من الحشرات كان هذا الطائر يتغذى عليها وكادت هذه الحشرة ان تُهلك الحرث والنسل .... إن النتيجة الحتمية التي يصل إليها الإنسان هي أنه لا يوجد شر محض في الطبيعة! رُبما كان للملحد حُجة في إنكار نِعم الله المتتالية عليه لانه لن يستقيم له الإلحاد إلا بكفران النِعمة وجحد الفضل الإلهي عليه وصدق الله { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم ..... إن الإنسان لظلوم كفار فعلا إن جهل الإنسان الذي ينتج عنه الكفر .. وكِبره الذي ينتج عنه الظلم هو الذي يجعل الإنسان لا يرى بداهةً نِعمة الله .. ويجعله لا ينسبها إلى الله بإخلاص وتجرد .. بل ينسبها إلى أي شيء مهما كان تافها باطلا ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) 45 سورة الزمر ... وإذا كان حال الملحد كذلك فهو في ضياع وعبث وسواد فهذا أيضا حال اللاديني بل واللاديني أسوأ وأضل حالا منه فاللاديني اعترف لله بالخلق وأقر أن الله هو الخالق لكن لم يعترف له بالأمر


(  أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54 سورة الأعراف ..... واللاديني يُخيل إليه أنه بذلك قد اعترف بالإله ولكن الله يُقيم عليه الحجة من آياته فيقول تعالى {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (23) سورة الأنعام .... إنه وهم يقع فيه اللادينيون إذ المعيار الحقيقي للإعتراف بالخلق هو الإقرار والإذعان وغير ذلك مردود على وجه صاحبه لا محالة ‍‍‍‍‍‍ مُشكلة الخير والشر تعجَب أحدُهم لماذا يُبتلى البشر ..... ما اللغز أصلا وراء الإبتلاء ... إذا كان الكافر يُبتلى لكُفره فهذا طبيعي والعقل يقبله لكن لماذا يُبتلى المؤمن ... لماذا الكوارث .. لماذا الحروب .. وكما تعودنا من القرآن أنه فيه تفصيل كل شيء نجِد الرد الإلهي العجيب على هذا السؤال( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) 40 سورة الحـج ..... إنها آيه عظيمة تُعطي الرد الذي يقبله العقل بدون امتراء .... إن تدافع الناس وحدوث المشاكل والكوارث لولا ذلك لهُدمت أماكن العبادة ولضاع الناس في الدُنيا بدون وعي .... - معنى عجيب أليس كذلك ؟؟ - إن الشيء الذي يُوهِن - يُضعِف - البدن يُقوي القلب .. والذي يُقوي البدن يُوهِن القلب ..... لذلك ترى الإنسان المُدلل لا يقوى في ميادين الرجال ولا يرتفع له رأس أمام العزائم في حين ترى المُكافِح ذو بأس وعِزة .... ومن هذا المنطلق كان الأنبياء هم أثبت الناس على دعوتهم وهُم أرسخ الناس قدما في ميادين القتال لأنهم اكثر الناس بلاءا ... ولذلك كان تدافع الناس يعُطي العزة ويمنح للإنسان قيمة بعد ان يُمحص ويصبر فيُعطى ثباتا أعظم وهكذا ...... ولكن لماذا لم يُعط الناس مزية الثبات والرسوخ بدون الإبتلاء ؟؟؟ إن هذا أكبر دليل على أننا في الدنيا للتمحيص والإختبار إذ لو الأمر عبثي لزاغت البطولات بين اللُقطاء من الناس ولكن لا يُعط العِزة والنصر إلا من ابتُلي بقدره وهكذا كان التمحيص عليه معيار نيل الفوز وعليه قوة القلب وثبات الشكيمة ....... وللامر تفصيل ممتع له مجال آخر بإذن الله ‍‍‍‍‍ وصدق الله العظيم إذا يقول ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (  132سورة الأنعام .... وبإذن الله في شريطي القادم بخصوص الحجة المُقامة على جميع البشر حُجة الفطرة في عدم تعاطي المعاصي التي تأباها الفِطرة بدون تلقٍ مسبق للنهي والأمر ...وحُجة الرسالة السماوية التي فيها زيادة تكليف والتي من وصلته هذه الرسالة لا يسعه إلا الإذعان لها وأن الله سوف يحاسب الناس بمقتضى وصول الحجة ومقتضى إذعانهم ومقتضى التسليم وعدم المكابرة ولهذا موضوع آخر بإذن الله ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام ماتع في أنواع الفترات ....ولكن هُنا نريد وضع إلماحة هامة بخصوص الأمر وبخصوص مشكلة الشر والعذاب الأُخروي الأبدي يقول الله عز وجل ( مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) 147 سورة النساء ..... وعلى الرغم من اختلاف السلف في عذاب جهنم هل هو عذاب أبدي أزلي أم أن هناك وقت تفنى فيه النار-1- ... إلا أن العقل يقول أنه طالما ان الكافر لو عاش أبدا لكفر أبدا فكان مصيره أن يُعذب أبدا فالحياة الدنيا ما هي إلا موطن اختبار وتمحيص وليست هي المستقر الدائم وفي ذلك يقول الله تعالى { وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (64) سورة العنكبوت ... إنها من الآيات المُبهرة بحق ... إن إضافة الألف والنون في كلمة الحيوان تُفيد مُطلق الحياة ( وهذه الكلمة من كلمات الإعجاز البياني التي بهرت الدارسين في أصول لغات الأرض ) فإضافة الألف والنون إلى الشيء تُفيد إطلاقه فالحياة الأصلية والمُطلقة لنا ليست هُنا وإنما هي في الدار الآخرة .. والدنيا ما هي إلا قنطرة للتمحيص وإختبار العباد .. فالدار الآخرة هي دارالحيوان الحقيقي الحياة الحقيقية الأصلية ولذلك سُمي الحيوان حيوانا لأن حياته الأصلية والحقيقية هي تلك التي يحياها بيننا ... ثم يختم الله سبحانه وتعالى الآية بإشارة رائعة { لو كانوا يعلمون } ذلك ما آثروا الدنيا عليها ... فالحياة الدنيا موطن اختبار فقط والآخرة هي المُستقر وهي الموطن الباقي أبد الآبدين ... والمعذرة مُقدمة سلفا لكل البشر ( كلٌ على قدر وصول الحجة له )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ‍‍‍‍ ....‍‍‍‍

---------------

1-  اختلف العلماء في العذاب الأخروي هل هو أبدي أم لا قال ابن جرير الطبري عند تفسير سورة هود في قوله تعالى ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ) قال :.... وقال آخرون : عنى بذلك أهل النار وكل من دخلها ، ذِكر من قال ذلك : عن ابن عباس : يأمر النارَ أن تأكلهم . وقال ابن مسعود : ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا . وعن الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا . وعن ابن زيد : أخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال {عطاء غير مجذوذ} ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار ... "التفسير" 7/118 وقد نقل السيوطي! في "الدر المنثور" (3/350) تلك الآثار وزاد عليها :وعن الحسن البصري عن عمر رضي الله عنه : لو لبث أهل النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه . وعن أبي هريرة : سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد.أ.هـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ - زلازل .. مجاعـات .. براكين .. أمراض ..حوار حول العدالة الإلهيـة ..!!

  • الاعتبار بمن سبق

    الشيخ صالح أحمد الشامي

    قال أبو عمرو: أيها الناس، تقوموا بهذه النعم - التي أصبحتم فيها - على الهرب من {نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ

    19/01/2021 640
  • تطبيق الشريعة

    د/راغب السرجاني

    فإذا استعرضنا سياسة الإسلام في جميع العقوبات التي قررها, وجدنا أنه يلجأ أولاً إلى وقاية المجتمع من الأسباب التي

    16/02/2013 2555
  • آيات الله الكونية

    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر

    آيات الله -تعالى- الكونية جعلها للتخويف والإنذار، وإشعار الإنسان بقدرة الله وقوّته -سبحانه-، فالموفق يتذكر

    29/09/2023 209
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day