في جمالية العمر
الإشراق الثاني: في جمالية عقيدة اليوم الآخر
المشهد الأول: في جمالية العمر
العمر هبة إلهية كبرى.. إنه تجل من تجليات الحياة! بيد أن حقيقته نسبية، ككل حقائق الحياة الدنيا. فليس فيه – إذا تفكرت – طويل وقصير. وإنما هو قصير كله! فمن حيث منطق الأشياء وطبائعها: كل ما ابتدأ لينتهي لا يكون إلا قصيراً! أليس كل الناس يموتون بعد سنوات من تاريخ ميلادهم؟ نعم سنوات، وإن هي إلا سنوات! لا مئات السنين، ولا آلافها! ثم إن المقارنة النسبية بين أعمار الخلائق المختلفة تبين لك نسبية الطول كالأشجار، والجبال ونحوها، وكالشياطين، وقد قال إبليس اللعين:
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}
(الحجر: 36- 38)
إلى الكائنات التي تعمر الشهر والأسبوع واليوم! كبعض الحشرات، من مثل النحل، والذباب، والفراش، فلو نظرت إلى ما يشعر به المعمر مئات السنين أو آلافها وهو ينظر إلى عمر الإنسان؛ لوجدته يتأسف على شدة قصره! ويأسى على الإنسان الذي لم يمد له في عمره إلا قليلا! وهو لا يدري أن عمره هو أيضاً بالنسبة إلى ما هو أطول عمراً قصيراً جداً!
والعمر – عند التفكر في الخلق الإلهي – هو حقيقة الإنسان. إذ ليس المرء إلا بداية ونهاية! ساعة ولادة فساعة وفاة، ولكن.. شتان شتان بين عمر وعمر! ليس ذلك باعتبار الطول والقصر. إذ الأعمار كلها قصيرة كما أسلفناه، ولكن باعتبار العرض والضيق، إذ قد يكون العمر طويلاً – حسب العد البشري النسبي – ولكن يكون ضيقاً من غير سعة. كما قد يكون قصيراً بالاعتبار نفسه، ولكنه عريض جداً، حتى لكأنه لا يكاد ينتهي أبداً.