مكانة الذكر وبيان أهميته وفضله
معاشر الأبناء! أنتم وأنا أرجو الله عز وجل أن يجعلنا من الذاكرين، وأن يعدنا من ليلتنا هذه لأن نذكره ونشكره، هذا الذكر هو الحصن الحصين الذي تتحصن به من غزو الشياطين، جاء في السنن: أن الله عز وجل أوحى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام بأربع كلمات، وأمره أن يقول بها ويعمل ويعلم بني إسرائيل أن يقولوا بها ويعملوا، وكانت الظروف صعبة شبيهة بظروف المسلمين في هذه الأعوام، ما يستطيع الرجل أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن منكر في المجتمع، فكأن يحيى عليه السلام تخوف، وكان له ابن خالة هو عيسى عليه السلام فقال: يا عيسى! يا روح الله! إن الله قد أوحى إلي كذا وأمرني وأنا أهاب بني إسرائيل، وقد عرفتم أنهم قتلوا والده زكريا، فقال عيسى: إذاً: أنا أقول لهم، فخاف يحيى، وقال: إذا لم أقلها كيف أواجه ربي، فما كان منه إلا أن طلع على شرفات منزل قريب من بيت المقدس من المسجد، واجتمع بنو إسرائيل وقال الكلمات الأربع، من بينهن: وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل الذي يذكر الله كمثل رجل جرى العدو وراءه سراعاً يطلبه، فما زال هارباً يجري حتى وجد حصناً فدخله فتحصن به، هذا مثل ذكر الله عز وجل. هذا الذكر هو الذي يحفظك من الشيطان، هو الذي يقيك من إبليس، ومن لم يذكر أصبح فريسة للعدو أو لقمة سائغة كما يقولون يعبث به الشيطان كما شاء، أرأيتم -معاشر الأبناء- لو أردنا أن نعصم أنفسنا مما يدسيها من تلك الآثام. نعم، نحن نعرف أن كلمة السوء يقولها العبد تنعكس آثارها ظلمة على النفس، بل عفونة ونتناً؛ فالنظرة المحرمة يلقيها الرجل على امرأة لا تحل له، هذه النظرة العامدة لها انعكاسها على الروح البشرية؛ ظلمة إذا لم يبادر بصقلها ومحوها وإزالة أثرها، وسوف تتحول إلى مرض يهلك به، إن الكلمة النابية التي تؤذي المؤمن وتجرح عاطفته أو تكسبه حزناً أو هماً، هذه الكلمة أثرها كرصاصة تضرب بها جسم حيوان، إن القرش الحرام يأكله عبد الله فتنعكس آثاره على النفس عفونة وظلمة.
فانتبهوا إلى حقيقة ينبغي ألا ننساها، إذا كانت كلمة: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) تحمل كمية من التزكية والتطهير، فإن كلمة باطلة كذلك تحمل ما يدسي النفس ويلوثها أكثر من الحمأة وأكثر من الطين وأكثر من الأذى والقذر، نحن مأمورون -يا معاشر الأبناء- أن نستقيم على طاعة الله ورسوله؛ إذ لا كمال ولا سعادة إلا على الطاعة؛ لأن الطاعة ما هي إلا أوامر ونواهي، ففي الأوامر الصارمة الصادقة نقول ونعتقد ونفعل، وذلك الاعتقاد وذلك القول وذلك العمل عبارة عن مولدات الحسنات، إذا لم تعتقد الحق، ولم تقل الخير، ولم تعمل المعروف فعلى أي شيء تزكو هذه النفس، حدثني بربك تغسل ثوبك الأبيض بماذا؟ لابد من أداة تطهير وتزكية في الأجسام، والروح البشرية تتدسى كما تتدسى الثياب، وتحتاج في تنظيفها وفي تطهيرها لتكون مشرقة يقبلها الله في جواره إلى ماء وصابون، تحتاج إلى عقيدة أمر الله العبد أن يعقد عليها قلبه، تحتاج إلى كلمات ما قالها عبد إلا انعكست آثارها حسنات مشرقة، تحتاج إلى عمل من إماطة الأذى عن طريق المسلمين، إلى الرباط والجهاد في سبيل الله، هذه الأوامر عبارة عن أشياء نستعملها في تزكية أنفسنا، فإذا لم نستعمل هذه الأدوات المزكية خبروني على أي شيء تزكو النفس، إذا كانت الأجسام لا تطيب ولا تطهر إلا على الماء الصالح والمادة المزكية المطهرة الصالحة، فالروح من باب أولى، وقد سمعنا الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، وسمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ). يا معاشر الأبناء! لو أن مصلحاً دخل قريتنا أو مدينتنا وساءه ما يسمع ويرى؛ من صلاة مضيعة، وأباطيل وشرور ومفاسد تظهر له في كل مكان وفي كل بيت، لخاف على هذا المجتمع أن يخسف به أو تنزل به محنة، فإن الله -كما تعرفون عنه- شديد العقاب، شديد البطش، ضرب لنا الأمثال وأرانا في الأمم المثلات، لقد أخذ الله أمة بكاملها من أجل الفاحشة، وأخذ أمة بكاملها من أجل التلصص والسرقة، وأخذ أمة بكاملها من أجل الكبر والعتو، و..
و..
ونحن من يؤمننا؟! ليس لنا من يؤمننا إلا الله، والله وضع للأمن شروطه وأسبابه وأدواته وعوامله، إذا أردنا أن نصلح فبأي آلة نصلح أنفسنا وإخواننا وأخواتنا؟ اسمع يا عبد الله! بالذكر فقط، ولا تقولوا: هذه صوفية أو طرقية انتبهوا، والله إنني لأتكلم معكم على علم من ربي، العلاج السريع الناجع أن ننسجم بذكر الله، أن نشغل فراغنا وأوقاتنا بذكر الله. يا أبنائي! وأنتم ما جربتم؛ هل تتصورون أن أحداً يذكر الله بلسانه وقلبه وتواطأ القلب واللسان، ويستطيع أن يمد يده ليؤذي مؤمناً في ماله أو عرضه وجسمه؟ والله ما يستطع.
هل تتصورون أن عبداً التزم ذكر الله ولازمه ثم يجلس ساعة يلهو فيها ويلعب؟ والله ما كان.
هل ترون أن عبداً التزم بذكر الله وأحب الله ورغب فيما عند الله، وخاف الله وعرف عظمة الله، فأخذ يذكر بلسانه وقلبه يستطيع أن يجلس مجلس طاولة يلعب القمار فيها؟ أيمكن هذا؟ والله ما كان، وإن شئتم فلسفنا القضية وقلنا: إذا أردنا الإصلاح فلنذكر الله، إذا أردنا أن نستقيم فلنذكر الله.