هل الإلحـاد مصدر العبثية في العالم؟
أجـاب الدكتور عبد الوهـاب المسيري عن هذا السـؤال في مجلد كـامل وهو المجلد الأول من موسوعتـه اليهود واليهودية والصهيونية فيقول ما معنـاه أنه في الفلسفة الإلحـادية المادية المُجردة يتم عودة كل شيء إلى عالم المادة حيث الإختزالية والتفكيكية العدمية العبثية في أقبح أشكالها حيث يغيب المُطلق والغائي والقيمة حتى كلمة الإنسانية المشتركة التي يتغنى بها الملاحدة هي كلمة ملوثة ميتافيزيقيـا فكلمة الإنسانية المشتركة هي شكل من أشكال المُطلق فالإنسان مادة وحسب، حدود المادة هي حدوده، ولذا فهو نمط مادي ذو ثلاثة أبعـاد حيوان اجتماعي يمكن تدجينه وقولبته فمع إسقاط الحدود وإسقاط القيمة المعرفية والأخلاقية والحلال والحرام والقداسة والدناسة والمركزية والسمو الإنساني يظهر مع الوقت السوبر مان الذي تنبـأ به نيتشه ذلك الإنسان السوبر الذي نشـأ من خلال منظومة الصراع الدارويني ،الذي لا يكترث بالمنظومات التي توجد خارجه والهدف من وجوده هو تعظيم اللذة (لذته هو) والمصلحة (مصلحته هو) والأرض مادة مُستهلكة وغايته هي تحقيق أقصى إشباع ممكن منهـا فالسوبر مان هو شخص ملحد مادي شخصية إمبريالية توسعية كاملة يحول العالم لمصلحته.
يقول أكبر المفكرين الغربيين أن قيام النازية بإبادة الملايين - من الغجر والسلاف واليهود والأطفال المعوقين ومن المسنين - ممن صُـنِّفوا باعتبارهم "أفواهاً مستهلكة غير منتجة" (useless eaters) إنما هو أحد إنجازات المادية الملحدة الصرفة التي "حرَّرت" النازية من أية أعباء أخلاقية مثالية - غير مادية - وتعاملت مع البشر بكفاءة بالغة وبمادية صارمة كما لو أنهم مادة استعمالية نسبية تخضع لقوانين الطبيعة - المادة- فمن يحيد عنها - مثل الأطفال المعوقين والرجال المسنين- لابد من التخلص منه في أسرع وقت وبأكثر الطرق كفاءة. أي أن العقل المادي هنا قام بتفكيك البـشر بصـرامة بالغة وكفاءة مدهـشة، ونظر للجـميع بعيون زجـاجية وكأنه كمبيوتر متألِّه، يبلغ الغاية في الذكاء، لا قلب له ولا روح، يُحيي ويُميت. هناك فيلم رهيب كان مُذاع على العربية مُترجم من ال BBC هذا الفيلم يحكي عن الشباب المعاق والذي تم عمل إعقام يوجيني له أثناء حُكم هتلر ( حيث يدخل الشاب على غرفة مغلقة ويتم تعريض خصيته لتركيزات عالية من الأشعة فتتوقف خصيته عن العمل للأبد ) وكان يُؤتى بالطفل المعاق فيُقتل فيما يُعرف بالقتل الرحيم وأحد العلماء الكبار بحث عن ملف أخيه الذي قُتل وهو طفل صغير لأنه مصاب بمرض الدفتريا واكتشف من تحليل العينات أن الطفل لم يكن مصاب بأكثر من التهاب باللوزتين . فالقتل الرحيم والإعقام اليوجيني والإخصاب الصناعي والإجهاض كلها امور عقلية ومنطقية تماما لا توجد حجج علمية ضدها أما تطبيقات هذه الامور فهي قضية أخلاقية لأنها ترتبط بالإنسان وليس للعلم أن يتخذ قرارا في هذا المجال وعندما تُطبق المادية الملحدة الصرفة فكل كلام عن القيم أو المُطلقات أو السمو الإنساني هو نوع من الخبل الميتافيزيقي . ستالين الذي قام بتفكيك البشر في إطار علاقات الإنتاج ومعدلات النمو فأباد ملايين الفلاحين (الكولاك) الذين كانوا يعوقون عملية الإنتاج المادية الحتمية. ويرى بعض مؤرخي الثورات التي تدور في إطار النماذج العقلانية المادية الملحدة أن ظهور مثل هذا الكمبيوتر المتأله مسألة حتمية وتؤدي إلى موت الإنسان بعد موت الإله، بل وتزيل ظلال الإله تماماً من الكون، وتأخذ الفلسفة البنيوية موقفاً مغايراً تماماً، فهي تزيد من معدلات التجريد إلى أن تصل إلى مستويات تجريدية عالية جداً، تصل إلى عالم الذرات والأرقام مما يؤدي إلى اختفاء الكل والجوهر الإنساني، فتؤدي هي الأخرى إلى موت الإنسان. لذا فلسنـا مجافين للحقيقة حين نقول أن الإلحـاد شيء مرعـب وخطيـر للغـاية والإلحـاد هو دين الشيطـان تم التـأسيس له كمنطق عقلي ولا يوجد مذهب على وجه الأرض يقول لك افعل كل الفواحش فأنت في حِل من كل شيء إلا الشيطان والملحد . والإيمـان بالإنسان وقيمته ومركزيته وسموه هو إيمـان يتجـاوز حركة المادة وديناميكيتهـا ويعتبر نوع من التمرد على الطبيعة فلا يجتمع إلحـاد وحيـاة إطلاقـا .......... الإلحـاد هو دين الشيطـان تم التـأسيس له كمذهب عقلي.
المسكوت عنه في الإلحـاد
الفِرق الإلحـادية بالآلاف وكُل فرقة ترى أنها الحق وأنها هي التي تفهم الإلحـاد فهمـا صحيحـا أما غيرهـا فعُملاء خونة دُخلاء على الإلحـاد وعلى الرغم من أن عدد الملاحدة العرب لا يزيد عن العشرات إلا أن هؤلاء الشرذمة انقسموا على أنفسهم عشرات الأقسـام وكل فرقة تُحذر من الأُخرى وكل جماعة تلعن أُختهـا
وهكذا تجد كل فرقة تلعن أُختـها وستجد هؤلاء العشرات من العرب الملحدين ينقسمون إلى إلحـاد شيوعي إلحاد علماني إلحاد ليبرالي إلحاد سلبي إلحاد إيجابي لاديني إلوهي لاديني متوقف لاأدري وقتي لاأدري دائم والإلحـاد الشيوعي ينقسم بدوره إلى آلاف الفرق وكما يقول الشيوعي الشهير مكسيم لوروا" في كتابه "رادة الاشتراكية الفرنسية" يقول:- ( لاشك في أن هناك اشتراكيات متعددة، فاشتراكية بابون، تختلف أكبر الاختلاف عن اشتراكية برودون، واشتراكيتا سان سيمون وبرودون، تتميزان عن اشتراكية بلانكي، وهذه كلها لا تتمشى مع أفكار لويس بلان، وكابيه وفورييه، وبيكور ، وإنك لا تجد داخل كل فرقة أو شعبة إلا خصومات عنيفة، تحفل بالأسى والمرارة .)
هذا في فرنسـا وحدها فما بالنا بتفريعات وانشقاقات تروتسكي ولينين وستالين وماو وبول بوت والآف التفرعيـات والإنشقاقات الأُخرى وهكذا كل فرقة من الفرق الإلحـادية تنقسم على نفسهـا وتتشظى وتتفتت إلى ما لا نهاية . ومن الآن فصاعدا على الملحد أن يحدد لنا مذهبه بالضبط ولا يتجـاهل هذه القضيـة الذي على الرغم من أهميتها الخطيرة إلا أن هؤلاء يتجاهلون هذا الإنقسـام عمدا ويسكتون عنه .
ألغاز فلسفية أتحدى بها جميع فلاسفة الملاحدة
1- هل يمكن البرهنة على وجود الأشياء المادية حولنا ؟؟ ألا يمكن كما قال ديكارت ألا تكون أكثر من أشباح أو خيالات ألا يمكن أن تكون حياتنا كلها مجرد حلم طويل ولهذا اعتقَد ديكارت أن الطريقة الوحيدة للبرهنة على أن المادة موجودة حقا هي أن نبرهن أولا على وجود الله .
2- هل يمكن البرهنة على أن الحجر يظل في مكانه عندما لا ينظر إليه أو يدركه احد بالفعل بأية حاسة من حواسه ؟ كل إنسان بما فيهم أنا يعرف أن الحجر يستمر في الوجود وليست هذه هي المشكلة بل المشكلة هي هل يمكن البرهنة على أنه يستمر في الوجود ولو لم يدركه أو يره أحد.. طبعا لازال الفلاسفة إلى اليوم يصنفون أنفسهم في هذا الجانب أو ذاك من المشكلة -1-.
3- هل يمكن البرهنة بأية حجة منطقية أن الشمس سوف تشرق غدا وقد برهن هيوم في القرن الثامن عشر على أن ذلك لا يمكن البرهنة عليه وما زال النقاش حول هذه المشكلة فاكهة جلسات الفلاسفة في جميع أنحاء العالم .
4- إذا قام أحدهم بقتل ابنك ثم صرخت وقلت أن هذا الشخص أخطأ فأنت بصراخك لم تُضف للواقع شيئا وهذه الحالة الإنفعالية لا تُقرر شيئا وهذه كلمة بالتالي لا معنى لها ولذا يدهشنا قول نيتشه حين يقول متهكما :- ( العبارات الأخلاقية لا تقرر وقائع ولا معنى لها ) وبالتالي فالقول بأن العالم لا قيمة له أو أن الحياة لا معنى لها كلها أيضا عبارات لا معنى لها ولا تضيف للواقع شيئا.
5- أنا لي عقل لأني واعٍ لكن ألا يمكن أن أكون أنا وحدي العقل الواعي في الكون وما حولي مخلوقات ذكية أشبه بالدُمي ؟
6- هل يمكن البرهنة على أن الماء الذي في القدر سيغلي عند درجة 100 درجة مئوية وتوقعاتي لغليان الماء لا تقوم إلا على أساس العادة إننا لا نعرف السبب لماذا يحدث ولماذا تتباعد الجزيئات بالسخونة ولماذا يحدث التمدد ولماذا اكتساب الطاقه يجعل الجزيئات تتمدد وكما يقول هيوم بخصوص المثال السابق :- (فإن العلم الذي يفسر ذلك بالتفسيرات السابقة هو علم فج جدا فهو لا يقوم بأكثر من إقرار الحالة فحسب دون أن يقدم مبررات لذلك .) ولذا يرى هيوم أن المفاجأة أن جميع تفسيرات العلم ونظرياته هي تفسيرات سيكولوجية لا تفسيرات منطقية فلا يعني العلم في رأيه سوى القول بانتظام الأحداث فيما يعرف بإسم القوانين الطبيعية ولا يوجد في العلم كلمة لماذا وما قبل الإنفجار العظيم هو عبارة لا معنى لها من وجهة نظر العلم فقط لأن هذا أمر لا نستطيع إخضاعه للتجربة والبحث وإلا فهي عبارة لها معنى .
7- ليس معنى كلمة سبعة أو كلمة زائد أو كلمة خمسة أو الجمع بين هذه الكلمات جميعا يتضمن معنى كلمة اثني عشر ف5+7=12 أمر بالغ التعقيد ومتشابك جدا ولا يجد الفلاسفة لحل هذه المعادلة إلا إثبات قوة في الذهن لا تعتمد فقط على فهم معاني الكلمات والسؤال عن حقيقة الرياضيات ومشكلة صدقها كما يقول كانط كان له أهمية بالغة في تاريخ الفكر البشري ولا يزال حل المعادلة السابقة 5+7=12 لغزا كبيرا يستعصي على العقول ولا تعترف به بسهولة على الرغم من أننا جميعا نوقن أن 5+7=12 لكن من الناحية الاستدلالية البرهانية الأمر يختلف ولا يوجد مفكر واحد يستطيع الإثبات بالبرهان والحجة أن 5+7=12 ولهذا يعتقد علماء الرياضيات أن بعض التجريدات الرياضية هامة رغم أنه لا يعرفون بعد شيئا عن تطبيقاتها العملية.
8- حركة الكواكب العملاقة حركة دائبة بلا توقف .. الجسم المتحرك سيظل متحركا إلى الأبد طالما لم تعترضه قوة توقفه كقوة الإحتكاك لكن لا أحد على الإطلاق يملك دليلا إيجابيا وحاسما على حقيقة ذلك لأن الأجسام التي بدون قوة من نوع ما تؤثر فيها لا نعرفها من خبرتنا ولا تقع في نطاقها ومن المرجح أنها لا توجد في الكون إذ انه حتى النجوم والكواكب تتأثر بقوة الجاذبية.
9- لا يوجد ألوان أو أصوات في الحقيقة فالألوان هي انعكاسات موجية والأصوات ذبذبات هوائية والمادة نفسها ذرات متحركة مختلفة في الكثافة فالكون من حولنا بدون حواسنا باهت صامت مُخيف فكما أن كل هذه الأمور تخالف الظاهر الذي يبدو لنا .. كذلك الزمان والمكان ظواهر فقط فالواقع الحقيقي على صورته الحقيقية لا يمكن حتى تخيله ونحن لا نعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا واستطاع كانط بطريقة ذكية اعتمادا على هذه النظرية ان يقول أن :- (العلم صادق في عالم الظاهر والدين صادق في عالم الحقيقة.) فالحقيقة لن يسبر أغوارها أي عقل بشري والمذهل أن أي سفسطة إلحادية لا يمكن أن تنزعها من قلب أبسط إنسان فالله لا يوجد في عالم الظاهر بل في عالم الشيء في ذاته ولذا كانت التجربة الدينية والخبرة الدينية هي التي تعطي للإنسان انطباعا يقينيا أن الله موجود ويبقى عليه أن يبحث هل هو يعبد الله على حق ام على باطل.
10- لولا قوة جذب الأرض للقمر لأفلت القمر من نطاقها فالأرض ذات قوة جذب عملاقة هذا ما درسناه لكن تبقى المعضلة القديمة فالأرض فعلا جذبت تفاحة نيوتن فللأرض قوة جذب عملاقة لكن ببساطة أنا أستطيع أن أتغلب على كل تلك القوة بمجرد إنحنائي وقيامي بجذب التفاحة من على الأرض هذا لغز قديم وقام العلماء بوضع نظريات شتى ولم يكن أحدها مقنعا حتى ظهرت نظرية الأوتار الفائقة الشهيرة التي أسماها إد ويتن -2- النظرية إم التي أشبهت نظرية أُمنا الغولة لكن سارع العلماء إليها لأنها تفسر مثل هذا اللغز فهي تقتضي أن الجسيمات المسئولة عن جذب الأجسام ببعضها البعض تهرب إلى أكوان أُخرى موازية -3- لذلك يظهر ضعف الجاذبية الشديد وكلما ارتفعنا لسطح الجبل انخفضت قوة الجاذبية إذن فكيف يمكننا أن نعرف أن القوة لم تضعف عند نقطة معينة بين الأرض والقمر.
المراجع
- استخدم باركلي قديما هذا الأمر في إثبات وجود الله وأن وجوده شرط وجود باقي الموجودات لأنه محيط ومدرك بكل الموجودات وبالتالي فهي موجوده وله تفصيلات عجيبة وممتعة بخصوص الأمر
- ED WITEN من أشهر الفيزيائيين في العالم وقام بتلقيب النظرية بهذا اللقب وهو اختصار لكلمة MYSTERY أى السر أو اللغز
- الأكوان الموازية نظرية تقول أن هناك أكوان مجاورة لنا بل تكاد تكون ملاصقة لنا لكننا لا نراها وربما يقول بهذه النظرية أشخاص ينكرون معجزة مثل معجزة انشقاق القمر فانظر الخداع.