أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في أسماء الله (العلي - الأعلى - المتعال) وفي إثبات صفة (العلو على عرشه سبحانه):
1- قال ابن عباس - رضي الله عنهما- عن (العلي): أعلى من كل شيء.
[تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ص 36].
وروي عنه – رضي الله عنهما - أنه دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تموت فقال لها كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحب إلا طيباً وأنزل براءتك من فوق سبع سماوات . [أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية بسند حسن] .
وقال أيضا : في قوله تعالى { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}: لم يستطع أن يقول من فوقهم ؛ علم أن الله من فوقهم . [أخرجه اللالكائي في شرح أصول السنة بسند حسن].
2- عن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - . عن أنس رضي الله عنه أنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات . [أخرجه البخاري].
3- قال الصحابي الجليل ابن مسعود - رضي الله عنه - : العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم . [أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات بسند حسن].
4- قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: وأيم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلت – تعني عثمان – ولكن علم الله من فوق عرشه إني لم أحب قتله . [أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية بسند صحيح].
5- الصحابي الجليل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: عن زيد بن أسلم قال : مر ابن عمر براعٍ فقال هل من جزرة فقال : ليس هاهنا ربها فقال ابن عمر : تقول له أكلها الذئب , قال : فرفع رأسه إلى السماء و قال : فأين الله ؟ فقال ابن عمر أنا والله أحق أن أقول أين الله فاشترى الراعي والغنم فأعتقه وأعطاه الغنم . [أخرجه الذهبي في العلو].
6- التابعي الجليل مسروق: كان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها , قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرئة من فوق سبع سماوات . [أخرجه الذهبي في العلو وقال إسناده صحيح].
7- قال سليمان التيمي - رحمه الله -: لو سُئلت أين الله لقلت في السماء . [أخرجه الذهبي في العلو].
8- قال عالم خراسان مقاتل بن حيان : (ت قبل 150 هـ): في قوله تعالى : {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة : 7 ] : هو على عرشه وعلمه معه . [أخرجه أبو داود في مسائله ص 263 بسند حسن].
9- قال الإمام أبو حنيفة: (ت 150هـ) : من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض. [الفقه الأبسط ص49، مجموع الفتاوى لابن تيمية 5/48، اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص139، العلو للذهبي ص101- 102، العلو لابن قدامة ص116، شرح الطحاوية لابن أبي العز ص301].
10- قال عالم الشام الإمام الأوزاعي: (ت 157 هـ ) : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله عز وجل على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. [أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات وصححه الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/182 ].
11- قال الإمام مالك: (ت 179 هـ) : الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء . [أخرجه أبو داوود في مسائله ص 263 بسند صحيح].
12- قال الإمام حماد بن زيد: ( ت 179 هـ ) : إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله – يعني الجهمية – [أخرجه الذهبي في العلو بسند صحيح].
13- عبدالله ابن المبارك: (ت 181 هـ): قال علي بن حسن بن شقيق : قلت لعبدالله بن المبارك : كيف نعرف ربنا عز وجل ؟ قال : بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه . [أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية بسند صحيح ص 67].
14- قال الإمام عبدالرحمن بن مهدي: (ت 198 هـ ): أن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى , وأن يكون على العرش , أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم . [أخرجه الذهبي في العلو وقال نقله غير واحد بإسناد صحيح].
15- أبو معاذ البلخي: (ت 199 هـ ): قال أبو قدامة السرخسي : سمعت أبا معاذ خالد بن سليمان بفرغانة يقول : كان جهم على معبر ترمذ , وكان فصيح اللسان ولم يكن له علم ولا مجالسة لأهل العلم فكلم السمنية فقالوا له صف لنا ربك الذي تعبده فدخل البيت لا يخرج منه , ثم خرج إليهم بعد أيام فقال : هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء فقال أبو معاذ البلخي رحمه الله : كذب عدو الله بل الله عز وجل على العرش كما وصف نفسه. [أخرجه الذهبي في العلو بسند صحيح].
16- الإمام منصور بن عمار: (ت 200 هـ ) : كتب بشر المريسي إلى منصور بن عمار يسأله عن قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى ؟ فكتب إليه استواؤه غير محدود والجواب به تكلف , مساءلتك عنه بدعة , والإيمان بجملة ذلك واجب . [تاريخ الإسلام حوادث ووفيات ( 191 – 200 هـ ) ص 413 ].
17- الإمام الشافعي: (ت 204 هـ): قال رحمه الله : القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها , أهل الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم مثل : سفيان ومالك وغيرهما : الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء . [وصية الإمام الشافعي ص 53 – 54].
وقال أيضاً : وأن الله عز وجل يرى في الآخرة ينظر إليه المؤمنين أعياناً جهاراً ويسمعون كلامه وأنه فوق العرش. [وصية الإمام الشافعي ص 38 – 39].
18- قال الإمام أحمد بن حنبل: (ت 241 هـ): في الرد على الجهمية : فقلنا لهم أنكرتم أن يكون الله على العرش, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].
وقال : {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
وقال في موضع اخر : و قد أخبرنا أنه في السماء فقال {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ . أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16 – 17].
وقال : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10].
وقال : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55].
وقال : {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158].
وقال : {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50].
وقال : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18].
وقال : {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
[الرد على الجهمية و الزنادقة].
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير أسماء الله (العلي - الأعلى - المتعال):
1- قال مجاهد: في سبب نزول {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ فِي سُجُودِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] «فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ فِي سُجُودِنَا سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وِتْرًا» [أخرجه الطبراني في الدعاء ص 191 حديث 585].
2- قال الطبري: {العلي}: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته. [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 5/405].
3- قال السمرقندي: {الأعلى}: بمعنى العالي كقوله أكبر بمعنى الكبير والعلو هو القهر والغلبة يعني أمره نافذ على خلقه. [بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 3/570].
4- قال مكي بن أبي طالب: {العلي}: ذو علو وارتفاع على كل الأشياء، ارتفاع مُلْكٍ وقُدْرَةٍ وسُلطانٍ، لارتفاع انتقالٍ. [الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ)، 10/6555].
5- قال الماوردي: {العلي}: في العلي تأويلان: أحدهما: العلي بالاقتدار ونفوذ السلطان. والثاني: العلي عن الأشباه والأمثال. وفي الفرق بين العلي والعالي , وجهان محتملان: أحدهما: أن العالي هو الموجود في محل العلو , والعلي هو مستحق العلو. والثاني: أن العالي هو الذي يجوز أن يُشَارَكَ في علوه , والعلي هو الذي لا يجوز أن يُشَارَكَ في علوه , فعلى هذا الوجه , يجوز أن نصف الله بالعليّ , ولا يجوز أن نصفه بالعالي , وعلى الوجه الأول يجوز أن نصفه بهما جميعاً. [تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 1/326].
6- قال الراغب الأصفهاني: والعلي هو القاهر فوق عباده، وقيل: العلي عن النظير، وقيل: القادر على حفظه، وقيل: القائم به، وكل ذلك راجع إلى التنبيه على قدرته وسلطانه وأن ما عداه مستحقر بالإضافة إليه. [تفسير الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)، 1/528].
7- قال البيضاوي: {العلي}: المتعالي عن الأنداد والأشباه. [أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 1/154].
8- قال الآلوسي: {العلي}: الْعَلِيُّ أي المتعالي عن الأشباه، والأنداد، والأمثال، والأضداد، وعن امارات النقص، ودلالات الحدوث، وقيل: هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة والسلطان والملك وعلو الشأن والقهر والاعتلاء والجلال والكبرياء الْعَظِيمُ ذو العظمة وكل شيء بالإضافة إليه حقير. [تفسير الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ)، 2/12].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في أسماء الله (العلي - الأعلى - المتعال):
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: النصوص كلها دلّت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش؛ فأما علوه ومباينته للمخلوقات فيُعلم بالعقل الموافق للسمع، وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع، وليس في الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينه ولا مداخله. [التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لابن تيمية (المتوفى: 728هـ)، ص 81].
وقال أيضًا: قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات، فهو جاهل ضال بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء، يقتضي ذلك، فإن حرف «في» متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه.
ولهذا يُفرَّق بين كون الشيء في المكان، وكون الجسم في الحَيِّز، وكون العَرَض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصية يتميز بها عن غيره، وإن كان حرف «في» مستعملا في ذلك كله.
فلو قال قائل: العرش في السماء أم في الأرض؟ لقيل: في السماء. ولو قيل: الجنة في السماء أم في الأرض؟ لقيل: الجنة في السماء. ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات، بل ولا الجنة.
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن".
فهذه الجنة، سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ} وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} .
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: {مَن فِي السَّمَاءِ} : أنه في السماء، أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.
وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟) . قالت: في السماء، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها.
وإذا قيل: «العلو» ، فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.
وإذا قُدِّر أن «السماء» المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها، كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} ، وكما قال: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} ، ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح. وإن كان على أعلى شيء فيه. [التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، لابن تيمية (المتوفى: 728هـ)، ص 85- 89].
2- قال ابن الوزير: فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟
قيل له: كما قال ربيعةُ ومالك وغيرهما (2): الاستواء معلومٌ، والكيف مجهول، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عن الكيفية بدعة (3)، لأنه سؤالٌ عما لا يعلمه البشر، ولا يمكنهم الإجابة عنه.
وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟
قيل له: كيف هو؟
فإذا قال: أنا لا أعلم كيفيته.
قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له، وتابعٌ له، فكيف تُطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته، وإذا كنت تُقِرُّ بأن له ذاتاً (4) حقيقة ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال لا يُماثِلُها شيءٌ، فسمعُه وبصرُه وكلامُه ونزوله واستواؤه هو ثابت في نفس الأمر، وهو مُتصف بصفات الكمال التي لا يُشابهُهُ فيها سمع المخلوقين، وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم، وهذا الكلام لازم لهم في العقليات، وفي تأويل السمعيات، فإن من أثبت شيئاً، ونفى شيئاً بالعقل، إذاً أُلزم، فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتابُ والسنة نظير ما يلزمه فيما أثبته ولو طُولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا، لم يجد بينهما فرقاً، ولهذا لا يوجد لنُفاة بعض الصفات دون بعض الذين يُوجبون فيما نَفَوه إمَّا التفويض وإمَّا التأويل المخالف لمقتضى اللفظ قانونٌ مستقيم.
فإذا قيل لهم: لم تأوَّلتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد؟ لم يكن لهم جوابٌ صحيح، فهذا تناقضُهم في النفي، وكذلك تناقضُهم في الإثبات، فإن من تأوَّل النصوص على معنىً من المعاني التي يثبتها، فإنهم إذا صرفوا النص من المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنى آخر لزمهم في المعنى المصروفِ إليه ما كان يلزَمُهم في المعنى المصروف عنه. [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفى: 840هـ)، 4/127 – 128].
3- قال السفاريني: فطريقة سلف الأمة وأئمتها: إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل كما قال اللَّه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
فالحق جل شأنه بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام بإثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا له الصفات على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما لا يليق بذاته من التشبيه والتعطيل، فالإثبات المفصل من أسمائه وصفاته ما أنزله في محكم آياته كقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255].
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. . .} [الإخلاص: 1].
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد: 3 - 4]. [لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية «شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الآثار السلفية»، محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، (المتوفى: 1188 هـ)، 1/258].
4- قال الشيخ البراك في شرح دالية الكلوذاني: قوله: «قَالُوا: فَمَا مَعْنَى اسْتِوَاه؟» أي: ما معنى أن الله استوى على العرش؟ «أَبِنْ لنا» أي: وَضِّح لنا وبَيِّن.
وقوله: «فَأَجَبْتُهُمْ: هَذَا سُؤالُ المُعْتَدِي» هذا الجواب يتضمن رفض الجواب ورفض السؤال، فمضمونه أن معنى الاستواء غير معلوم.
فقوله: «هَذَا سُؤالُ المُعْتَدِيْ» أي: هذا سؤال المتعدي في سؤاله؛ لأن السؤال عن كيفية الاستواء لا يجوز، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله في رَدِّهِ على من قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: (... والسؤال عنه بدعة) (1).
وأما السؤال عن معنى الاستواء فلا حرج فيه، وليس هو من الاعتداء في السؤال، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله في جوابه السابق: (الاستواءُ معلومٌ) يعني: أن الاستواء معلومٌ معناه؛ لأنه لفظٌ معروفُ المعنى في اللغة العربية، والقرآنُ نَزَلَ بلسانٍ عربيّ، والله خاطبَ عبادَه باللسانِ الذي يعرفونه كما قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195]. [شرح القصيدة الدالية، الناظم: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني الحنبلي (510 هـ)، الشارح: فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، ص 61 – 62].