الحديث السابع (حديث الشوق)
الحديث السابع (حديث الشوق)
- قال مسلم رحمه الله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ - أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ،
فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا". قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ". فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا".
الحكم على الحديث:
صحيح مسلم (249).
أهمية الحديث
1- بث الشوق في قلوب الربانيين بمعرفة شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخوانه.
2- التحذير من الابتداع حتى لا يحال بينه وبين الحوض.
3- الترغيب في زيارة القبور والانتفاع بها.
غريب الحديث
1- غر محجلة: الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل: بياض في يديها ورجليها.
2- دهم بهم: دهم، جمع أدهم؛ وهو الأسود. والبهم: الذي لا يخالط لونه لوناً سواه، بل يكون لونه خالصاً.
3- غرا محجلين: سمى النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلاً تشبيهاً بغرة الفرس.
4- فرطهم: أتقدمهم.
5- ليذادن: ليطردن (1).
فوائد الحديث
1- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقبرة؛ زيارة المقابر للرجال سنة، وذلك للعظة والعبرة.
2- السلام على أهل المقابر والدعاء لهم والمكث عندهم المدة اليسيرة هو السنة الثابتة لا غير.
3-
قوله صلى الله عليه وسلم:
"وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا". كلمة تهز قلب كل مسلم غيور يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كيف وهو صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه وما يغنيه؟ اشتاق لهؤلاء المساكين من المسلمين الذين حرموا رؤيته، فكيف بهؤلاء المحرومين وليس لهم ثمة ما يعوضهم عن فقده وحرمانهم رؤيته؟ فنحن أحق بالشوق منه.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
ونسأل الله عز وجل ألا يحرمنا رؤيته، بل يعوضنا خيراً، ويرزقنا في الدنيا الشوق إلى رؤيته، وفي الآخرة حسن صحبته.
4- الحذر من مخالفته في الدنيا أو اتباع المحدثات فيكون ذلك سبباً للحرمان، بل وللطرد والدعاء عليك في الآخرة.
5- "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ". قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" مع تيقنه بالموت هو من العادة الحسنة يحسن المتكلم بذلك كلامه ويزينه، وقد علمنا الله ذلك في
قوله:
{لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ}
[الفتح: 27].
6- فيه أيضاً تذكير النفس أنه مهما طال به العمر فإنه لاحق بهم وعائد إليهم.
7- أليس العجب العجاب ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المقبرة يزور الموتى ومعه أصحابه أن يتذكر ليس من مات وإنما الآتي الذي لم يأت بعد؟ هذا موقف عجيب، ولكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ما لا نرى.
8- "أَنَا فَرَطُهُمْ". يعني مستقبلهم وسابقهم الذي ينتظرهم، وهذا مما يفرح به قلب كل محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مشتاق لرؤيته ينتظر ذلك اليوم.
9- انظر ماذا يفعل الافتئات على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتبديل والتغيير بعده؛ يتحول من "أَلَا هَلُمَّ". إلى: "سُحْقًا سُحْقًا". والعجب أنهم غر محجلون بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم وقال لهم: "أَلَا هَلُمَّ" فلا تعرنك المظاهر واستمسك بغرز النبي صلى الله عليه وسلم لكي تنال شرف معيته والشرب من يده صلى الله عليه وسلم.
10- يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين. والله، إنا لنبادلك شوقاً بشوق، وحباً بحب.
اللهم اجمعنا به، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله.
11- هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويتوب ويستغفر كل يوم مائة مرة، وهو أقرب الناس إلى الله وأحبهم، ثم يذهب إلى المقابر ليتذكر الآخرة ويستغفر لمن مات من أصحابه، يعلمنا أن نقوم بكل الأعمال فلا نحتقر شيئاً ولا نترك سبباً ولا نهمل وسيلة تقربنا من الله إلا عملنا بها مهما ظننا أن قد علت درجاتنا.
12- الحرص على الوضوء وعلى إسباغه من أسباب أن يعرفك رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة، فاحرص على إسباغ الوضوء على المكاره واهتم باستحضار هذه النية في الوضوء؛ طلب أن تكون من الغر المحجلين يوم القيامة.
13- كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة الصلاة عليه وكثرة الدعاء له بالوسيلة والفضيلة والشفاعة والمقام المحمود حقه على جميع المسلمين.
اللهم ارزقنا حسن الصلاة عليه ودوام
الصلاة والسلام عليه وتقبل منا ذلك
اللهم ارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه
وأدخلنا مدخله ولا تحرمنا رؤيته
في الدنيا في المنام وفي الآخرة
في الفردوس آمين
المراجع
- شرح النووي على مسلم 3/ 139.